ياسر صالح البهيجان
المشروعات المتعثّر خير مدرسة يمكنها التأسيس لرؤية تجديديّة ذات كفاءة عالية في آليات التنفيذ والإشراف؛ شريطة أن نستفيد جيّدًا من دروسها ونستخلص العوامل الرئيسة التي أدت إلى تعثر المشروعات السابقة، ونضع حلولاً مسبقة لتجاوزها عند تنفيذنا لمشروع جديد.
وفي هذا الإطار، أكدت دراسة أجراها باحثون أمريكيون على أكثر من 13 ألف مشروع حول العالم أن ثلث تلك المشروعات أنجزت في وقتها المحدد وفي نطاق ميزانيتها المرصودة، بينما الثلثان الآخران تم تصنيفهما كمشروعات متعثرة بعضها تكبد مبالغ تزيد عن الميزانية المحددة بنسبة تصل إلى 100 بالمائة، والبعض الآخر ظل متعثرًا إلى وقتنا الراهن.
تعثر المشروعات في الغالب ينشأ بسبب عاملين رئيسيين؛ الأول: هو عدم واقعيّة دراسة المشروع والمدة الزمنية المحددة لتنفيذه والميزانية المخصصة له وجهل واضعي الدراسة للمعوقات المحتملة عند تحويل المشروع من الورق إلى أرض الواقع. والعامل الثاني: يتمثل في محدوديّة قدرات الموارد البشريّة المسؤولة عن تنفيذ المشروع، أو عدم إلمامهم بطبيعة البيئة التي سيتم إنشاء المشروع في إطارها، والمعوقات المتوقع مواجهتها خلال عملية التنفيذ.
الجهات التي تنجح في تنفيذ المشروعات خلال المدة المحددة وبالجودة المطلوبة والميزانية المرصودة لم تخترع أيّ عجلة من جديد، وإنما سخرت جزءًا كبيرًا من جهدها في معرفة أسباب تعثر المشروعات الأخرى التي نُفذت في ذات البيئة، وأسست خطتها التنفيذية بناءً على المعوقات المحتملة، ووضعت خططًا لمعالجة الإشكالات التي سبق أن واجهت من سبقوها، وآمنت بأن فشل الآخرين يُعد فرصة كبرى لاستخراج الدروس الكفيلة بتفادي أي عقبات مفاجئة.
الجهات الحكوميّة هي الأخرى مطالبة بإنشاء قوائم توضح أسباب تعثّر أو تأخر أي من مشروعاتها خلال المرحلة الماضية، وتسترشد بالإخفاقات لبناء رؤية مستقبلية تعزز من إمكانية نجاح مشروعاتها المنفذة، وتطرح أسئلة منطقية لفهم عوامل التعثر؛ هل هي في تأخر صرف المستحقات المالية للجهات المنفذة؟، أم في استحالة تحول الدراسات والتصاميم إلى أرض الواقع؟، أو بسبب تقاطع المهام والمصالح مع جهات أخرى؟، أو غيرها من العوامل والأسباب.
المؤسف حقًا، هو تكرار تعثر المشروعات لذات الأسباب، وغض الطرف عن فكرة بديهيّة مفادها أن تنفيذ العمل بطريقة معينة سيؤدي إلى النتيجة نفسها، لذا فإن الاستمرار في إدارة المشروعات بالنهج ذاته لن يفضي إلا إلى تعثر جديد، ومن هنا تمكن أهميّة استخلاص التجارب من أي مشروع يجري تنفيذه، والأهم في نظري هو تعميم تلك التجربة وتبادل المعلومات بين الجهات الحكوميّة في مختلف المناطق، لينتج عنها بنك معلوماتي يقود منفذي المشروعات إلى وضع الخطط الملائمة للمضي قدمًا بعمليات التنفيذ إلى بر الأمان، وتحقيق الإنجاز دون أيّ تعثرات جديدة.