د. محمد بن صالح الحربي
المملكة العربية السعودية والجمهورية العراقية تشكلان عمقًا إستراتيجيًّا لكليهما في كافة المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية... لتعزيز وتحقيق الاستقرار والأمن والرفاهية للشعبين وبما يعود على البلدين بخيرات وافرة ستجنى ثمارها من خلال الشراكات المتنوعة ومذكرات التفاهم في مختلف المجالات.
هذا ما جسدته الزيارة الأخيرة خلال الأيام الماضية لرئيس الوزراء العراقي والوفد الكبير المرافق (وزراء النفط والمالية والخارجية والتخطيط والتجارة والتعليم العالي والبحث العلمي والزراعة والشباب والرياضة والصناعة والمعادن والكهرباء والنقل، ورجال الأعمال، خلال الأيام الماضية، إلى خاصرة الأمة وحاضنتها المملكة العربية السعودية التي اتفق من خلالها البلدان على مواصلة التشاور والتنسيق بما يعزز وحدة الصف والعمل العربي المشترك.
العراق البلد الذي شهد حروبًا وصراعات واستقطابات سياسية وأيدلوجية إقليمية ودولية بدأت حديثا عام 1980 (الحرب العراقية الإيرانية 8 سنوات) حرب تحرير الكويت 1991, التدخل الأمريكي للسيطرة على العراق 2003... نتج عنها استنزاف موارد العراق الثرية وتعطيل التنمية ناهيك عن الخلل الديموغرافي والاجتماعي في هذا البلد العربي العزيز والذي يملك ثالث أكبر احتياطي للبترول عالميًّا الموثق منها (115 مليار برميل) وعاشر أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم (3000 مليار متر مكعب)
وبدا يدرك العراقيون حجم المخاطر والمهددات الإقليمية والدولية الموجهة لمجالهم الحيوي وإبعاده الجيوبوليتيكة فحدوده متداخلة ومتشابكة شمالا تركيا وشرقا إيران وغربا سوريا والأردن أما جنوبا فحدوده مع دولة الكويت والمملكة العربية السعودية خاصرة الأمة وملاذها الآمن مركز الثقل الإستراتيجي في الشرق الأوسط والعالم التي تسعى للمشاركة والمساهمة في بناء العراق كدولة حديثة متقدمة مستقرة آمنة مطمئنة متماسكة لما فيه خير ونماء ورفاه للشعبين الشقيقين.
العراق المنهك من كل هذه الحروب التي خاضها في حاجة ليد العون من المملكة العربية السعودية لبناء دولة عراقية قوية تستطيع أن تخدم مواطنيها لما في صالح البلاد.
فالدور السعودي يهدف إلى الحماية من أطماع الدول غير العربية المجاورة العراق والطامعة في خيرات بلاده من ثروات طبيعة وأراض الدولة العراقية، وتجلى ذلك في أكثر من موقف شهده الإقليم الأعوام الماضية,.. وما زال العراقيون يستذكرون، خطة التقسيم والتفكيك الفاشلة تجاه بلد الرافدين التي ظهرت جليًّا مع قرار مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونجرس) في 26-9-2007 (الذي نصح فيه الحكومة الأمريكية (ولا يُلزمها) بتبنِّي خطة تقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات؛ على أن تقدر هي الضرر أو الضرورة في ذلك). وافترض الكونجرس وهو أبرز مؤسسة لصنع القرار في الولايات المتحدة أن هذا الإجراء هو الحل الأمثل لإعادة الاستقرار إلى العراق! وبالرغم من أن هذا القرار (غير ملزم) إلا أن المستوى المرتفع للجهة التي أصدرته تجعله في عداد التوجهات الإستراتيجية الكبرى، سواء الحالية أو القادمة، وخاصة أن من قدَّم مشروع القرار إلى الكونجرس هو السيناتور الديمقراطي (جوزيف بايدن) رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والمرشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي لانتخابات عام 2008م. وقد وافقت منافسته الديمقراطية على ذلك المنصب (هيلاري كلينتون) على هذا القرار الذي صدر بموافقة 75 (عضوًا) من أصل مائة!
والمتتبع للأحداث يلاحظ أن سياسة إيران تماهت مع هذا الطرح المقيت والمتوافق مع سياساتها التوسعية والطائفية... فماذا قدمت للشعب العراقي من تنمية وبناء ورخاء؟؟
إنه (الدمار الطائفية استنزاف مقدرات الدولة ووحدة الصف والتماسك المجتمعي...) بالرغم من امتلاكها ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم، ورابع احتياطي عالمي من النفط الخام، إلا أن اقتصاد إيران هش (هو من بين الأضعف عالميًّا) مقارنة بعدد السكان!!
إن هدف القيادة السعودية من إعادة العلاقات هو بناء العلاقات السعودية العراقية من جديد بعيدًا عن اللوبي الإيراني المترسخ في مفاصل الدولة العراقية, والرياض ما زالت تسعى لإعادة تأهيل العراق واستعادة دوره العربي وانتزاعه من الحضن الإيراني فالإستراتيجية الأمريكية تضعف من قدرة إيران عن العبث بالمنطقة لذا فهي, فرصة ذهبية للمملكة العربية السعودية ولكل الدور العربية لإعادة العراق للحضن العربي بعيدًا عن الدور الإيراني الذي أفقر البلد ونشر بذور الطائفية في العراق وبعض دول المنطقة..
فهل أدرك العراقيون حكومة وشعبًا, دور المملكة العربية السعودية كأحد أهم مراكز الثقل السياسي والاقتصادي والديني على خارطة العالم وهي الدولة التي تحتل المرتبة الثالثة بين دول g20 من حيث الاحتياطات الأجنبية وأهدافها الواضحة والظاهرة لتعزيز الأمن والاستقرار والرخاء لأشقائها في صناعة مستقبل واعد ومزهر بإذن الله.