فوزية الجار الله
ليس أجمل من أن تكون الكتابة قدرك الذي يغنيك وتستظل به أيامك ولياليك، لكن يحدث أحياناً أن يتوقف نبع الكلمات لديك، تستغرقك تفاصيل الحياة اليومية وتسرق وقتك، تود التعبير عن شيء ما لكنك تفقد القدرة على ذلك، ولذلك أكثر من سبب، يأتي في رأس القائمة ازدحام الأفكار والأسئلة في ذاكرتك، أنت بحاجة إلى لحظة هدوء واسترخاء كي تستطيع التركيز فيما تود أن تفضي به أو ترسمه سطوراً على ورق..
عليك أن تدخل الكتابة بلا مقدمات، الأمر يشبه كثيراً ذلك المشهد، أنت تقف في منزلك، تنظر من النافذة المفتوحة إلى الفضاء وتصف ما يحدث في الشارع أو على الرصيف أو ربما في البيت المقابل، تصف ذلك لشخص عزيز لديك يجلس خلفك على الأريكة، أمر ما يمنعه أن يقف إلى جوارك متفرجاً لذا فقد آثر الإنصات إليك، عليك وصف ما ترى بمنتهى الهدوء..
حين تشغل نفسك بالمقدمة والإطار تبدو حالتك شبيهة بذلك الزوج الساذج الذي يود التعبير لعروسه عن مشاعره في ساعات زفافهما الأولى ولا يستطيع، ليس لديه خبرة ولا دراية، يفكر كثيراً ثم يقول: هل يمكنني أن أصرح لك بكلمة؟ هل تسمحين لي؟ أود أن أقول لك «حبيبتي» هل يمكنني ذلك؟ تشير له بـ «نعم « ثم.. أخيراً.. يقول بصوت متهدج: «حبيبتي» !! هنا تظهر الكلمة باهتة، بلا نكهة أو قيمة، أفسدها كثرة التفكير والمقدمات..
بالمصادفة كنت أقرأ مؤخراً حديثاً حول ذلك للدكتور علي الوردي يقول ضمن حديثه: «لقد كان عنترة في منازلته للأبطال يضرب الضعيف منهم أولاً فيستلين له القوي بعد ذلك، والأفكار كالأبطال تحتاج إلى مناورة مماثلة، فهي تبدو صعبة في أول الأمر ولكنك لا تكاد تتناول منها واحدة حتى تستلين بين يديك بقية الأفكار تدريجاً.. والكاتب يحتاج إلى مثل هذه المناورة أيضاً في معالجته للكتابة».. يقول أيضاً: «إن الاهتمام بالتصنيف المصطنع والتسلسل المنطقي وترتيب الديباجة والخاتمة يعتبر بمثابة الأحجار التي توضع في طريق التيار فتعرقل سيره. ينبغي أن ينتبه المنشئ إلى الحقيقة الكبرى في فن الكتابة وهي أن الإبداع فيها يأتي عفو الخاطر..).. تتماهى الكتابة الإبداعية ما بين الفن والرغبة في الحديث أو ما يُسمى بالفضفضة.. وفي هذا السياق أذكر أن السيد الفاضل علي الطنطاوي - رحمه الله- كان يقول بما معناه (اكتبوا دائماً وكثيراً، اكتبوا ببساطة كما تتحدثون بلا تردد أو تكلّف أو تقعّر في اللغة).