لا زلت أتذكر أول لقاء جمعني به؛ كان ذلك في مدينة بوسطن الأمريكية بينما كنت في رحلة علاجية هناك، سهل لنا التلاقي مرات ومرات صداقة قديمة لا زالت حية وراسخة بين زوجته ورفيقة كفاحه الدكتورة نورة الشملان وأم بناتي فريال الفريح (أم رشا)، كما أن قائمة الأصدقاء المشتركين حملت بشاير التوافق في الفكر والاهتمام وأوجدت مساحات كبيرة لنبش مواقف تتسع لها ذاكرة الوطن العربي الكبير، كما وجدت تشابهاً كبيراً في تجربة كل منا على مستوى الدور والأداء والبذل في العمل الوطني، والأهم من كل ذلك أنني كنت اختزن في أعماقي صورة ذهنية واضحة المعالم تجاه «سليمان السليم»، فهو ابن جيلنا المكافح وأحد أبطال قصصه الكلاسيكية وشخصية لها وزنها في الموقف والأداء السياسي المُشرف الذي تخطى في أصدائه حدود المملكة السعودية.
مواجهة المصاعب بذكاء حاد وثبات في الموقف وبتوازن دقيق يجمع بين تحقيق الهدف وتلبية متطلبات المرحلة كان سمة لافتة في مسيرة هذا الكبير، فحينما حثه والده على رفض البعثة إلى جامعة القاهرة بهدف الحصول على وظيفة تمكنه من مساعدة الأسرة في أعبائها المتزايدة لم يشأ أن يتخلى عن حلمه من جهة والتزامه تجاه أسرته من جهة أخرى؛ فالتحق بالجامعة ونجح في توفير جزء من راتب البعثة ليرسله شهريًا إلى والده كما أنه عمل في إجازاته الصيفية صبيًا في دكان أحد أقاربه في عرعر مرة وبائعًا في بقالة في الظهران مرة أخرى. إنه التوافق الدقيق الذي أجاده صاحبنا بين طموحاته ومسؤولياته. هكذا كان في أيام دراسته وهكذا سار في حياته العملية التي حقق من خلالها لذاته ولوطنه ومجتمعه نتائج مدهشة.
في مسيرته العملية الثرية، والتي شغل خلالها مناصب رفيعة وتقلد المنصب الوزاري لسنوات طويلة، قدم في كل مناصبه التي شغلها أداءً راقياً وعرفه الناس شخصية تتمتع بالكفاءة والنزاهة، كان سليمان السليم من فئة السياسيين التكنوقراط المملوئين معرفة الذين يحملون شغف التقدم بقدرة على إدارة التفاصيل الفنية والمهنية الدقيقة وأرسى دعائم حميدة في أساليب الإدارة المتقدمة، عُرف عنه وضوح الرؤية وسلامة التوجه ونظافة اليد وثقافته الواسعة، وبدا دومًا منفتحًا على كل الآراء والتوجهات وأقام علاقات متوازنة بسعة أفق قل نظيرها، فكان بحق النموذج النمطي الذي خبره الخليج في آبائه وأجداده المكافحين أصحاب الموهبة الفطرية القادرين على مواجهة الصعاب والذين يتمالكون أنفسهم عند الغضب ويصدعون بالحق ويتقون الله فيما يفعلون.
لكل ذلك وأكثر لمع اسم سليمان السليم في كل دول المنطقة وسيظل حياً في ضمير العمل الوطني والإنساني وسيكون اسمه حاضراً دوماً عند توثيق مسيرة التنمية والتقدم، كما سيبقى من صناع الحضارة المرموقين.
رحم الله هذا المخلص الكبير وجعل أعماله وإنجازاته المدهشة في ميزان حسناته، وأن تكون تجربته محفزة وملهمة دوماً لأجيالنا القادمة المتطلعة للنهضة والتقدم، وكل مشاعر الدعم النبيلة لزوجته الدكتورة نورة الشملان وأبنائه: باسل، وماجد، وعبدالعزيز، ولينا، ولميس، وسارة.
** **
- عبدالله محمد النيباري