عبده الأسمري
تمر وتيرة الحياة سريعًا ويطوف بنا قطار العمر من مرحلة إلى أخرى. تغمر حياتنا موجات «التعاملات» بين مد وجزر وتعتمر عقولنا موجهات «المعاملات» وسط أخذ ورد..
نسمع كثيرًا عن القلوب البيضاء والأنفس النقية والمعادن الأصيلة ونستمع إلى تجارب متعددة في هذا الجانب كان عنوانها «العرفان والامتنان» وتفاصيلها «الصفاء والنقاء» ونهايتها «الإغاثة والعون».
فيما تطغى على الجانب المعاكس «مرارة» النكران و«سوءات» الخذلان وسط تجارب مريرة كان أبطالها «زائفين» يرتدون الأقنعة.. و«مزيفون» يتقمصون «الخداع» تسببوا في أحداث مؤلمة وحوادث أليمة كان الغدر وجهها «الأسود» والاحتيال أرضيتها «البائسة» والمكر توقيعها «الأخير».
الإِنسان بطبيعته «كائن» أعزل دون الارتباط بالمجتمع والترابط مع المحيط الحياتي بكل اتجاهاته.. لذا كانت الحياة مبنية على العلاقات ومع وجود هذه المعادلة ظهرت الاتفاقات والخلافات وأسست الصداقات وطغت العداوات.
تباينت في مستويات الاختلافات بين البشر الأسباب وتفاوتت المسببات متدرجة ما بين العدوان والحقد والكره والخديعة والنفاق وتدرجت الدوافع ما بين تغليب الأنا وغلبة الذاتية وسطوة المصالح الشخصية فكانت النتائج فراق وافتراق وخلاف واختلاف.
نرصد يوميًا في أحاديث البشر ووسط ملامح وجوههم وفي أنين شكواهم وبين أنين ذاكرتهم حقائق «مدوية» من الأضرار ووقائع «مخجلة» من الإساءة وبراهين مثبتة من العداوة ودلائل ثابتة من البغضاء أطرافها أصدقاء أو زملاء أو رفقاء أو أقارب أو معارف.. فنرى العبر بكل صورها لابسة رداء بائسًا مهترئًا من السوداوية والأنانية.
يرسم تزييف الأقوال المغلف بذاتية مفرطة الحيل بفكر مسموم يعادي النقاء ويمقت الصفاء ويتقمص التخفي ويرتدي التواري ويكرس البغض ليشكل أرضية ومنصة لانطلاق العديد من الأفعال المستقبلية التي ستكون بمثابة «صدمة نفسية» و«هزة اجتماعية» و«هزيمة مؤكدة» لضحايا كانوا في قائمة المستهدفين.
لا بد أن تنقشع «الغمة» ذات يوم عن زيف الأفعال الذي يلبس جلباب النصح ومعطف الحرص لتظهر الحقيقة وتتجلى الواقعية ويسقط القناع عن الفصل الأخير من مشاهد «السوء» المدبر والموجه والمفتعل.
كم من الآلام الموجعة القابعة خلف الجدران وكم من المواجع المؤلمة التي تحتضنها الأفئدة التي غيبت اللوعة بابتسامات إجبارية وكم من الأحزان التي دفنت في قلوب ارتضت «الصبر» ورضيت بالخسائر وكم من الأوجاع المكبوتة في أنفس آمنت بالقضاء وارتهنت للقدر.
تمتلئ ذاكرة أي إِنسان بالتضاد المطلق والحتمي بين أفعال الخير والشر والتعاكس البشري بين سلوكيات البر والإثم والتخالف البديهي بين سمات السلام والتعدي.. وتظل الأحداث مقترنة بالبشر متقارنة مع المواقف مرتبطة بالواقع وبالوقع لنخرج في النهاية بنتائج متراوحة بين الإيجابية والسلبية واتجاهات متباينة بين الإعانة والعدوانية.
معادلة الحياة عادة ما ترتهن لقطبي الجلاد والضحية واتجاهي المتورط والبريء وسط مواجهات حياتية دائمة وتقاطعات سلوكية مستديمة تفرض على الإِنسان أن يعيش وسط مثيراتها واستجاباتها وأن يتعايش مع دوافعها ودواعيها.
الحياة مدرسة واقعية للتجارب المشفوعة بالاكتساب المشبعة بالأدوار وتبقى الافتراضات والتوقعات والتنبوءات «حيل» افتراضية للتعاطي مع تغيرات «الزمن» ومتغيرات «العيش»ليكون الإِنسان إما عنصر «استقرار» أو مكمن «دمار».
على قيد «الواقع» تسير عجلة الدنيا في درب طويل بين أقدار ومقادير ووسط هذا الركب يظل البشر «سائرين» بمنطلق تحقيق الأمنيات ومنطق توظيف السلوكيات ليمضي الركب فيظل الاتقياء على طبيعتهم ويبقى المتلونون على طبعهم..
بيننا زائفون ووسطنا مزيفون.. والأيام كفيلة بإماطة اللثام عن «وجوههم الحقيقية» التي تخفت خلف الزيف وتوارت وراء التزييف ممارسة التضليل والظلال لتنثر سواد البؤس على بياض «البراءة».