عطية محمد عطية عقيلان
النجاح قضية فلسفية معقدة، فبعض الناس يرى النجاح في تحقيق العائد المادي والربح المجزي (خاصة في التجارة)، والبعض الآخر يرى النجاح فيما يحققه من خدمة لأسرته وعائلته ومجتمعة (خاصة في المجال العلمي والخدمي). ومنذ انطلاق التجارة تعددت فلسفة ونظريات العمل التجاري، وظهرت في العصر الحديث النظرية الاقتصادية لمدرسة شيكاغو (لا شيء أهم من الأرباح)، والتي أثرت في كثير من الشركات العملاقة وانتهجتها كما حدث مع (فيس بوك)، ونقرأ الكثير من الأمثال والأقوال التي تعزز مبدأ البحث عن الربح مهما كانت الوسائل التي تستغلها معتمدين على (إلي تغلب به العب به)، وتحولت إلى فلسفة تبرر التجاوزات واستغلال ثغرات أو ضعف القوانين لتحقيق المصلحة الشخصية والربح المضاعف ولو على حساب المجتمع والطبقات الضعيفة.
وتنبهت المجتمعات لتنظيم التجارة ووضع الضوابط على العلاقات التجارية، ومع التطور المدني وتوسع العمل التجاري وأشكال الشركات، رافقها تطور القوانين التجارية، بل أصبحت هناك أعراف دولية واتفاقات تنظم التجارة، (وأُنشئت منظمة التجارة العالمية عام 1995م لتنظم التجارة بين الدول). والهدف السامي لسن وتطوير القوانين التجارية الخوف من الاستغلال السيئ لتحقيق الأرباح دون اعتبارات أخلاقية أو تنافسية أو صحية لتأثيرها على الناس، فشُرعت القوانين وأُوجدت الهيئات التي تضبط إيقاع الشركات والمؤسسات والأفراد، للتأكد من عدم االتلاعب من أجل تحقيق الربح فقط دون أي اعتبارات أو خروقات أخرى، وانكشفت الكثير من القضايا والتجاوزات لسوء الاستغلال والتضليل الذي تمارس من أجل تحقيق (الأرباح ولا شيء سوى الأرباح)، لذا نسمع الكثير من العقوبات سواء في مجتمعاتنا أو في العالم عن محاكمات وفرض عقوبات وغرامات بملايين الدولارات على من يستغلون أو يحققون أرباحًا دون تطبيق المعايير المهنية والأخلاقية المعلن عنها. وكانت سوق الأسهم والمضاربة فيها خير مثال على استغلال البعض لتحقيق الأرباح حتى ولو (بالحيلة)، وانكشفت شركات وعمالقة اقتصاد استغلوا مناصبهم لتحقيق أرباح دون وجه حق من خلال استخدام نفوذهم والمعلومات التي يملكونها في مضاعفة ثرواتهم، والقانون في بعض الحالات يكشفها ويصادر جزءًا من أموالهم مع قدرة بعضهم على الإفلات من خلال استغلال ضعف الرقابة أو ثغرات القوانين والأنظمة.
وتطالعنا الأخبار والحكايات والغرامات على تجاوزات ليس في استغلال المعلومات لجني الأرباح، ولكنها تمس صحة الإنسان والتلاعب في غذائه، من خلال المنتجات الزراعية والغذائية والحيوانية وعدم تطبيق المعايير السليمة والعلمية واستخدام مواد محظورة أو ضارة أو دون تقنين والتي تنتهي بأمراض وعواقب وخيمة على مستخدميها، والأصعب منها أيضاً ما يتم كشفه من تزوير صلاحية الأدوية والخلطات العلاجية والكريمات المضرة على سلامة وصحة الإنسان وتؤدي إلى هلاك أو أمراض مزمنة، وجميعهم يستغلون ضعف الرقابة والطمع في الربح المضاعف السريع والتي يتطلب إلى سن قوانين وعقوبات رادعة لعدم التلاعب بصحة ومرض الناس، ولا بد من تضافر جهود الجميع للتبليغ عن أي تلاعب مع تحديث القوانين والرقابة، حفاظًا على صحة الناس وأموالهم وحماية المجتمعات من الأمراض.
نحن نبحث عن شركات ورجال أعمال يوازنون بين الربح والسمعة، من خلال تقديم منتجات وخدمات وفق الربح المعتدل والخدمة المميزة التي تهتم بصحة وسلامة العميل (وهم موجودون -ولله الحمد)، بل من الجميل أن نحفز على تكريمهم وإبرار ما يقدمون من خدمات وبحوث واهتمام ومراعاة لصحة وسلامة المستهلكين من خلال تقديمهم أفضل الخدمات وجلب الكفاءات وتدريبهم وتوفير آخر التقنيات والاختراعات، يهدفون إلى توازن عادل بين الربح وتحقيق السمعة، فالربح مهم ولكنه لا يمنع من مراعاة الله وإتباع الأنظمة والقوانين والمعايير الدولية والإنسانية دون الالتفاف عليها أو البحث عن الثغرات من أجل الربح فقط دون الاهتمام بالسمعة.