رمضان جريدي العنزي
النمل من أضعف مخلوقات الله كالعنكبوت والذباب والدود والعثث، لكنه يعيش الواقعية، ويملك الجد والتطلع والتنظيم والمثابرة، لا يكل ولا يمل ولا ييأس، لا يستسلم ولا ينسحب ولديه طموح عالٍ، وإصرار عجيب، يملك التفكير والتحليل، والقدرة على العيش في أغلب الأمكنة، وتحت مناخات مختلفة، وتضاريس متنوعة، يكره التراخي والوهن والكسل، نشط شعاره النظام والعمل، عمله بديع، ولديه دقة فائقة في التحرك، يدخر من طعام الصيف للشتاء، ويخزنه بطريقة جيدة تحفظه من التلف، ويقوم بتهويته من وقت لآخر، ويخرجه وقت الحاجة، فالبرغم من أن النمل كائنات ضعيفة إلا أن الله أعطاها قدرة كبيرة تستطيع بها مقاومة مصاعب ومتطلبات الحياة، لا تعرف اليأس، ولا تفقد الأمل، وتكرر المحاولة إثر المحاولة حتى تحقيق النجاح، فقد تحاول النملة الحصول على رزقها والإمساك بالحبة أو بورقة الشجرة وحملها ووضعها في المسكن وتبقى تحاول أكثر من مائة مرة، ولا تترك هذا العمل ولا تمل ولا تيأس، وهذا هو أحد أهم تقنيات النجاح في الحياة، كما يقول علماء النفس، للنمل نشاط وإخلاص في عمله ويتقن واجباته بدقة وعلى أكمل وجه، كما أنه يملك التضحية والإيثار، وهو مهنس في صناعة العمل وجمالياته، وعنده صبر وتحمل وإبداع وتخطيط وتعاون جماعي، ولديه هدف وتطلع وغاية، أن النمل مخلوق صغير وضعيف، لكنه قوي بإرادته وعزيمته ومثابرته، وهو مثال حي يحتذى به، فهو مخلوق محكم الصناعة، ويتجلى فيه إبداع الخالق جل وعلا، أن على بعض شبابنا الذي يمارسون النوم والكسل ومطارحة الفراغ، ويتقنون الهجولة والتسكع، أن يتعلموا من هذا الكائن الصغير، عليهم أن يقيموا أنفسهم، أن يفيقوا ولا يركنوا إلى الوهن والكسل، وإضاعة الوقت من غير فائدة ولا مردود إيجابي، عليهم أن ينشغلوا بالعمل، ويستغلوا أوقاتهم بالصالح والمفيد، أن الله خلق الإنسان قوياً في الجسد، وأمده بالعقل، وعلى شبابنا أن يحسنوا استغلال الجسد والعقل، فعليهم تقع المسؤولية والأمانة، فكما تعلم الإنسان من الغراب كيف يواري الجسد التراب، فعلى شبابنا أن يتعلم من النمل كيف يعمل، وكيف ينتج، وكيف يفكر، وكيف يفعل فكره في جلب رزقه، حتى يفيد نفسه وأسرته ووطنه ومجتمعه، أن على شبابنا وجوب تغيير نمط حياتهم الراكدة والساكنة، وعليهم أن ينفضوا عن أجسادهم أردية الكسل، وأغطية الوهن، وأن يعوا جيداً المتغيرات والمتطلبات الجديدة، ويفقهوا بأن العمل الجاد أصبح من الضرويات المهمة، إن الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أولى بها، والحق يُلتمس في أيّ موضع، ومن أيّ مخلوق مهما كان ضعيفًا، باختصار أيها البعض من الشباب، لا بديل من التحرك المفيد، والعمل الجالب، ولا بديل من الإسراع بذلك، استغلالاً للعمر والساعة والزمن، لا بد من التجرد من الأهواء الفارغة، والأحلام الواقفة، والطموحات الباهتة، والرسم على الماء، وعليكم أن تسلكوا دروب العمل الجاد، ولا بد أن تنجحوا مهما كانت المعاقات والمصدّات والحواجز، حتى لا تبكون على اللبن المسكوب يوم لا ينفع البكاء، لأنكم قد فشلتم في إهدار الوقت، ورسبتم في إدارته، ولم تستوعبوا الدرس الثمين من النمل.