عبده الأسمري
من بين دهاليز السياسة.. تعلم «الجرأة» ووسط بلاط صاحبة الجلالة.. مارس الشفافية.. ومن داخل «المجتمع» كتب الاحتياج ومن بين الناس رصد الهموم.. فكان «تشكيلة بشرية» من التنوع المعنون بالاستقراء المفصل بالانتقاء.
حيادي لحد النخاع.. وقيادي بحق الإجماع.. سبك المتون كقيمة وكسب القلوب كقامة.. فدفع «مهر» التنافس» بروحه الماتعة واعتلى «صهوة» المهنية بنفسه البارعة.. وظل يكتب المقال بقلم «جاف» لنشر الحقيقة ويراع «سائل» لتذليل الصعاب.. فكان رفيق المهمشين وصديق المكلومين والمهاجم «المشاكس» والمدافع «الحر» الذي لعب ببراعة في الميدان الصحفي وأمتع بيراعه الصفحات الأولى بتوقيع «الإنسان» ووقع «الفنان» أنه رئيس تحرير صحيفتي عكاظ وسعودي جازيت السابق الصحافي والكاتب والمحلل السياسي رضا لاري -رحمه الله- أحد أبرز رموز الصحافة في السعودية.
بوجه جداوي وسحنة حجازية أليفة تؤطرها ملامح خليطة بين الطيبة والهيبة مع تقاسيم يتصاعد منها الرقي وعينان تفيضان بالإنصات والثبات تلمعان من خلف نظارة ترافقه في تجواله ومستقره مع شارب يميز محيا أنيق تلحف بالبياض المستديم وصوت متشعب من لهجة جداوية معتقة بالأمثلة والحكم وصفاء الأسطر ولغة فصيحة تتلألأ منها عبارات السياسة واعتبارات الكياسة وتتقاطر منها مفردات لغوية فصحى قضى لاري أكثر من 40 عامًا وهو يحول السياسة إلى «رؤية سيادية» ويحيل الصحافة إلى «علم ومنهجية» ويكتب المقال بمداد العمق الإنساني والأفق المعرفي. واضعًا بصمته في متن «الأستاذية» كاتبًا اسمه في «خانة» «الكبار» بواقع الأثر ووقع التأثير.
في حارة الشام القابعة في قلب «جدة» ولد وتفتحت عيناه على «قوافل» التجار في شوارع قابل والذهب وانفتحت عقليته على أحاديث الأدباء في مقاهي وسط البلد العامرة بأنفاس الطيبين. وركض طفلا يراقب الفالحين الخارجين من الكتاتيب والكادحين المتجهين إلى الميناء العتيق فتعتقت طفولته باثر الشطارة ومآثر التجارة في محافل «الأحياء القديمة» وحكايات «الألفة» في العلاقات المستديمة..
تربى لاري في حضن «العصامية» ونشأ بين موجهات تربية غرسها والده في قلبه صغيرًا واتجاهات عطف رسمتها والدته على ثغره طويلا فانخطف إلى موجبات «العون» وعزائم «الاستعانة» فامتثل ليقين اجتماعي اعتمر قلبه فظل يكتب قصص الحائرين ويقتنص عبرات الهائمين ويقتص مكملات الحنين في خارطة حياة يومية داخل حي شعبي علمته «التعبير» وأفهمته «التقدير» فظل يجمع شتات «الأنين» في أوراقه الصغيرة التي كان يضعها تحت وسادته ليلا ليقرأها صباحًا في بروفة ذاتية قادته إلى تجارب عظيمة كان السداد «عنوانها» والتسديد «فنها».
في جدة درس لاري تعليمه العام ثم التحق بجامعة القاهرة, وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1964م عمل باكرًا في وزارة التجارة ثم مديراً لوزارة المالية ليكتب بعدها قصة الطموح في مسار دقيق وهو الدبلوماسية حيث تعين ملحقاً في وزارة الخارجية ثم قنصلا عاما في إسبانيا وتولى منصب القائم بالأعمال في السنغال ثم اتجه بعدها للعمل الصحفي وشغل خلاله عدداً من المناصب الصحفية حيث رأس تحرير صحيفة عكاظ من عام 1975م وحتى عام 1981م. وكلف مديرًا عاما لها كأول صحفي سعودي جمع منصبي رئيس التحرير للصحيفة, والمدير العام للمؤسسة وتقلد منصب رئيس تحرير صحيفة سعودي جازيت الصادرة باللغة الإنجليزية منذ عام 1985م, وحتى 1998م. وتفرغ بعدها للكتابة الصحافية المتخصصة.
وكتب في معظم الصحف السعودية. في مجالات عدة كان لقلمه صرير سياسي وهدير مجتمعي وكان يكتب ما «يريد أن يقول». ملبسا زاويته روح الصدق وبوح المصداقية.
أجاد لاري التحدث والكتابة بإتقان وفصاحة لأربع لغات وهي العربية والإنجليزية, والفرنسية, والإسبانية ومثل الوطن في العديد من المؤتمرات العالمية ونال عدداً من الأوسمة والنياشين والجوائز محليا وعربيا وعالميا.
في يوم الجمعة 13 سبتمبر 2013 انتقل لاري إلى رحمة الله بعد أن توقف قلبه عن النبض نتيجة نقص حاد في الأكسجين..
عاش لاري نظيف القلب عفيف اللسان شفيف الرأي.. رسم الابتسامة على وجوه البسطاء.. واستخرج الانفرادات الصحفية رغما عن تحفظات السياسيين العرب.. وكتب المانشيتات بحبر الأنصاف وجبر الاعتراف.. لامس حقوق الغلابى.. والتمس همم الصحافيين.. وزع فكاهته بين زملائه فكان «فاكهة» يانعة من «السرور» ورونق «مستديم» من الفرح.
رحل رضا لاري تاركا نداءاته تصدح في اتجاهات «المهنية».. وكفاءته تنضح في مقامات «الكتابة» مشكلا «وجه» الصحافة الأصيل ورجل التحليل السياسي النبيل.