م. بدر بن ناصر الحمدان
ثمة تجارب محلية متميزة على مستوى إدارة التنمية العمرانية في المملكة، تقودنا إلى اكتشافها وتحليلها والتعرف على السيناريوهات التي مرت بها، وكيف تمكنت تلك التجارب من بناء فلسفة إدارية ذات بُعد مستقبلي منظم رغم أنها وُلدت وسط بيئة تنظيمية وإدارية «معقدة» إلى حد كبير، خاصة في ظل غياب مفهوم واضح لمنظومة «الإدارة المحلية» وتطبيقاتها العملية.
ظهرت استراتيجية الشراكة بين الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني والقطاعات التنموية بمختلف تخصصاتها ومسؤولياتها كحاجة ملحة، اقتضتها مرحلة التأسيس، وتحولت مع الوقت من «مبادرات» إلى «مسؤوليات» ونماذج عمل رئيسة، تبنتها هذه القطاعات على أساس من التعاون والتنسيق المستمر لضمان تنفيذ السياسة العامة لتنمية قطاع السياحة، ونقلها إلى حيز التنفيذ.
القاعدة التي يجب أن تستوعبها أجهزة التنمية المحلية اليوم هي (صناعة السياحة ليست مسؤولية هيئة السياحة فقط)، بل هي مسؤولية جميع مكونات إدارة التنمية القطاعية بكل مستوياتها المحلية والإقليمية والوطنية، وإن كانت هيئة السياحة تضطلع بمسؤولية تنظيم وتشريع هذه الصناعة إلا أن الشراكة الفاعلة مهمة وطنية وحتمية، يجب أن تقوم بها كل القطاعات المعنية بالتنمية بمسؤولية كاملة، تُسأل عنها، وتحاسب عليها؛ كونها شريكًا مسؤولاً عن بناء «منظومة سياحية تنموية متكاملة».
المنهجية التي عادة ما يعتمد عليها الرأي العام في صناعة الصورة الذهنية عن السياحة المحلية ما زالت «غير منصفة»؛ إذ باتت تُبنى هذه الصورة على مشاهدات أولية واستنتاجات شخصية عابرة، لا تتضمن دلائل وقرائن حقيقية مبنية على تحليل معلوماتي دقيق، أو فهم جيد لمعادلة التنمية وآلية توزيع الأدوار والمسؤوليات بين القطاعات. فعلى سبيل المثال فإن الرأي العام لا يزال يحمِّل هيئة السياحة مسؤولية الكثير من السلبيات والقصور في وظائف المدن وبنيتها التحتية وشبكة مرافقها وخدماتها لاستيعاب التجربة السياحية المتكاملة، رغم أن ذلك القصور خارج الاختصاص المباشر لهيئة السياحة كإدارة مؤسسية، في حين تضطلع بمسؤوليته «نظامًا» قطاعات أخرى متعددة ضمن تخصصها الرئيس، ورغم ذلك فمن هذه القطاعات من تؤدي دورها بشكل جيد، ومنها من هو غائب عن المشهد تمامًا.
ما أود قوله إن إيجاد بيئة عمرانية مثالية، تمكِّن من تقديم مدن راقية وبيئة سياحية جاذبة، هو «بناء تراكمي»، يشترك فيه الجميع بلا استثناء؛ فبدون استيعابنا لهذه الفلسفة الإدارية سنبقى داخل قيود النظرة الأحادية، ولن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
هيئة السياحة كانت - وما زالت - تخوض تحديًا كبيرًا مع شركائها في طريقها نحو غرس ثقافة مجتمعية وإدارية مميزة، تُعنى بإحداث نقلة نوعية في أسلوب إدارة التنمية السياحية رغم كل التحديات والمعوقات التي تواجهها، ولكن المستقبل سيحفظ لها أنها استطاعت أن تقود جهودًا تنسيقية كبيرة في مرحلة تحوُّل تنموي، كانت هي الأكثر صعوبة في تاريخ التنمية المحلية، وحتمًا سيسفر ذلك عن بناء «نموذج عملي» فريد قادر على المضي نحو المستقبل.