عمر إبراهيم الرشيد
أعجبني مقطع مصور لامرأة عربية تنتقد من أظهر حزناً متكلفاً على احتراق أجزاء من كاتدرائية نوتردام الشهيرة في باريس. وقد تساءلت تلك السيدة عن حزن وأسى هؤلاء حين دمرت آثار عديدة في دول عربية عدة هي أقدم وأنفس من نوتردام، وذلك في أتون الاضطرابات العربية الحالية. وجهة نظر لها اعتبارها وتنم عن احترام للهوية، إنما لاجدال أن الفرنسيين، انطلاقاً من مبدأ احترام الهوية كذلك، قد أظلتهم سحائب الكدر على ما أصاب هذا الأثر العتيق وحق لهم ذلك. ومما زاد مكانة هذه الكاتدرائية أن كاتب فرنسا وروائيها الأول فيكتور هيجو قد نسج أحداث روايته (أحدب نوتردام) جاعلاً أروقتها وحجراتها ونواقيسها عناصر هذا النسيج الأدبي العظيم.
العمران يتجاوز مكوناته الطبيعية من حجر ومواد بناء مختلفة قديمها وحديثها، إلى كونه هوية وسجلاً تهمس جدرانه وحجراته مخبرة عمن سكن هذا البناء أو زاره، من شهد صرخته الأولى في الحياة ومن زفر آخر أنفاسه بين جدرانه. ودونما شك أن هذا الحادث المؤسف يثير في الخاطر ما يثير والشيء بالشيء يذكر كما يقال، لذا فإن التفاتة حكومة المملكة إلى الآثار الضاربة في القدم في مواقع ومدن عديدة من هذا الوطن، لها من النتائج والمكاسب الحضارية، الاجتماعية والاقتصادية العظيمة، إذا أحسن توظيف هذه الآثار علمياً واجتماعياً وتم تدريب الكوادر الوطنية تبعاً لذلك، والعلا مشروع واعد بآثاره وبرامج ابتعاث وتدريب شباب المنطقة من أجله. ومما أعطى الانطباع بأننا بدأنا نلتفت إلى آثارنا القريبة كذلك، مشروع ترميم القصر الأحمر بالرياض والذي مثل حقبة من تاريخ العاصمة والمملكة عموماً، وفتح أبوابه للجمهور وهو ما شكل تغييراً إيجابيا في استغلال مثل هذه المباني التاريخية بدل كونها أماكن مغلقة، وإيجاد خيارات سياحية وترفيهية ذات طبيعة ثقافية، والله يرعاكم بعنايته.