عبد الرحمن بن محمد السدحان
يؤرقُ انتباهي تشَنُّجُ بعض مقاطع الخطاب الإعلامي العام، والمقْروُء منه خاصة، ضدَّ البيروقراطية الحكومية في بلادنا، وكأنها (غُولٌ) يكتمُ الأنْفاسَ، أو (وبَاءٌ) يُزْهِقُ الأرواحَ، في حين أن المشْكلةَ الحقيقيةَ تكمُنُ في ممارساتٍ إداريةٍ، أحيانًا عشوائية، تستظل بنصوص إدارية قديمة تُؤْتَى في الغالب من قبل أفراد على نحو يفرزُ بعضَ السلبيّات، ثم تُحاكَمُ البيروقراطيةُ نتيجةً لذلك محاكمةً تفْتِقرُ إلى الحكمْةِ والمعرفة والصَّواب!
* * *
وأزعم أنه يمكن معالجةُ تلك السلبيات ليس من خلال بعض الأعمدة الصحفية المتشنَّجة، ولكن بوسائل يأتي في مقدمتها الكفُّ عن إسقاطِ اللوم المطلق بأشكالهِ ومصطلحاتهِ على (البيروقراطية) وحْدَهَا، وتحْمِيلهِا أوزارَ المشكلاتِ التي يتحدث عنها الناسُ بمناسبةٍ وبدونها!
* * *
دعوني أطرح بعض التساؤلات كشْفًا للمقصود فأقول:
* أليسَ المواطنُ أحيانًا شرِيكًا في (اللَّومِ) حين يُصرُّ على مخَالفةِ القَواعدِ والإجراءاتِ المقنَّنةِ لخدمةٍ معينةٍ ترْجِيحًا لمصْلحَته، وقد يَلتمِسُ في سبيل ذلك وسَائلَ (اختراقٍ مشْبَوهةٍ) لتلك القواعدِ والإجراءاتِ؟! فإذا لم (تُخدَم) مصَلحتُه على النحو الذي يرومُه، ألقى باللوم كاملاً على البيروقراطية!
* * *
* أليست الإدارةُ مسؤولةً حين تُغْفِلُ سبُلَ التحديثِ لأنْظمتِها وإجْراءاتِها، وتُهملُ وسائلَ التَّدريبِ والتنويرِ للعاملين فيها كيْلا يقعُوا في المحظُور، فيَسيئُوا للنَّاسِ عن عَلمٍ أو جَهْل أو غَبَاء، وقد يحرّضُ بعضُهم بعضَ الناس على استثْمارِ الثّغراتِ والعثَراتِ في الجهاز الإداري خدمةً لمصالح ذاتية؟!
* * *
* ألسْنَا نَحنُ أفرادَ المجتمع (المستهلكِ) للإدارة، شُركَاءَ في المسؤولية عن الفَشَلِ الإداري؟!
* متىَ؟:
* حين نتَستَّرُ على موظفٍ ضعيفِ الذَّمّة داخلَ المنشَأةِ الإداريةِ، لعلَّة تخْدمُ مصالحَنا، كي يبَقى هو بعِيدًا عن الرَّقَابةِ والسؤَالِ والحساب؟!
* * *
* حين نرَىَ العيبَ أو الخَلَلَ الإداريّ يُمارَسَ في رابعِةِ النهار، ثم نُعْرِضُ عن الجَهْرِ به نقْدًا أو التَّنْبيه إليه نصِيحةً بحُجَّةِ (وأنا مالي..) حتى ولو كان في ذلك السلوك ما يَضِيرُ بمصَالحِنا المبَاشِرةِ لدى ذلك الجهاز؟!
* * *
* حين (نلْتِمُس) العُذْرَ لضَعِيفِ الأداءِ من العاملين، بحُجّةِ خَوْفِنا أن (نقْطَعَ رزقَ العيَال)! غيرَ مدركِين أنّنا الخَاسروُن في النهاية، وطَنًا وموَاطنِين وإدارةً، في الوقت الذي يَمْضِى فيه ذلكُ الموظفُ يرْفُلُ في لِبَاسِ غَفْلتِنا أو تسَامُحِنَا أو ضَعْفِنا الأخلاْقيّ!
* * *
وبعد..،
* فإننا نعيشُ في زمنٍ عولميَّ صَعْبٍ، له تَحَدّياتُه وفروضُه ونوافلُه، وتبقى عيوَبُ الإدارة وسَوْاءتُها أَرَقًا للجميع، مسؤوُلين ومُواَطنِين، وستبقَى كذلك ما لمْ نكثَّفْ الجهُوَد لمكافَحتِها، و(تحصين) آلياتها و(أفرادها) ضد الفساد والخلل!؟ وأنْ نبْدأ بأنْفُسِنَا قبل أن نُسْقِطَ اللَّومَ على هذا وذاك، وأنَ نعْتَبرَ أنفُسَنا، لا البيروقراطيةَ وحدَها، الخصمَ والحَكَمَ والضحية!
* باختصار شديد: نريد حلولاً جديدة ومؤثرة تقيلُ عثراتِ أجهزتنا البيروقراطية والقائمين عليها وتحثُّ المستفيدين على (دخول البيوتِ من أبوابها)، كي نرتاحَ من (ضنك) الفشلِ الإداريّ وتداعيَاتِه!
* * *
* وقبل الختام:
أعتذر للقارئ الكريم الذي ربما سبق أن قرأ هذا الحديث. لكن، لأهمية موضوعه، واستمرار الحاجة لطرحه، وددت إعادة طرحه، مع وافر محبتي واعتذاري!