يرتبط التقاعد في مجتمعاتنا بنهاية مرحلة العمل والارتباط الوظيفي وبدء مرحلة الراحة والنوم والسكون (ويطلق عليها من باب النكتة مت قاعد)، ونتيجة الالتزام أثناء العمل ينسى كثيرون أن يهتموا بأنفسهم وتنمية مواهبهم وهواياتهم، بل يستحوذ العمل على أغلب التزاماتهم وأحياناً علاقاتهم، ويواجهون مشكلة حقيقية في التعاطي مع مرحلة ما بعد التقاعد من العمل فيفقدون جزءاً من علاقاتهم ولا يجدون متعة في السهر والرغبة في النوم (والتي كانت تغريهم أثناء العمل) ويواجهون ساعات طويلة من الملل والفراغ بلا أعمال أو اهتمامات، بل إن بعضهم يضعف التواصل الاجتماعي مع زملائه وأقاربه ويهمل الاهتمام بنفسه وهندامه ويجد نفسه يطوي أيامه ببطء وملل ووحده ويتسرَّب اليأس إليه. علماً بأن مرحلة الحياة بعد التقاعد (في نظري) هي مرحلة تحقيق الأحلام الشخصية التي لم تكن تستطيع إنجازها بسبب الالتزام بالعمل والارتباطات العائلية وقلة الخبرة عكس ما يصبح عليه المرء بعد تقاعده، فكثير من التجارب لمواهب أو تجارب ظهرت بعد التقاعد وحققوا النجاح والإبداع لأنها تمتلك عنصر الخبرة والحكمة والصبر والتي تساهم بشكل كبير في إنجاح العمل وإبراز الموهبة.
لذا من المهم بعد التقاعد التركيز على عدة جوانب:
- عدم التوقف عن التعلّم والقراءة وتطوير الذات والاطلاع على تجارب وقصص الآخرين.
- تنمية هواية رياضية أو فكرية واستغلال الوقت فيها.
- ممارسة تجارة أو استشارة أو تعاون حسب قدراتك العلمية والصحية والمالية.
- استكشاف آفاق جديدة حسب ميولك سواء زيارة مدن وسياحة أو طلعات برية أو مساهمات مجتمعية أو مشاركات عائلية أو رعاية شباب في العائلة أو الحي وتزويدهم بخبراتك.
- استثمار الوقت في اكتساب عادات صحية جديدة وممارسات مفيدة كالمشي المنتظم والقراءة والخلو بالنفس.
- الاهتمام بشكلك وهندامك وضبط أعصابك لأنه ينعكس على حالتك النفسية ويؤثّر في سعادتها.
- التواصل الاجتماعي بشكل دوري والمشاركة في مناسبات الأهل والأصدقاء والزملاء.
فالحياة بعد التقاعد قد تتحوّل إلى قصة ملهمة وتجارب ناجحة واستثمار أمثل للوقت وتجسيد الخبرة العملية المكتسبة خلال سنوات العمل وتحويلها إلى اتخاذ القرارات الصائبة وكيفية تنفيذها بأفضل الوسائل وأقل التكاليف مع تقديم النصح والمشورة للمحيطين بك، المهم أن تتزوَّد بالتفاؤل في كل خطواتك ومحاولاتك مع القناعة بقدراتك على تحقيق وتنفيذ طموحاتك وأحلامك مهما بلغت من العمر، فليس هناك حدود أو مرحلة عمرية تمنعك من التجارة أو القراءة أو الرياضة أو ممارسة هواية تحبها، فقط تمتع بالحماس وابتعد عن الإحباط والمحبطين، فالحياة تتوقف عندما نوقفها في داخلنا (وفي الغالب لأسباب نفسية) ولنبقي فسحة الأمل منهجنا بأن القادم والغد دوماً أجمل (تفاءلوا بالخير تجدوه) فقط لنسع للاستفادة من الأوقات الطويلة والخبرات التي اكتسبناها في حياتنا العملية ونترجمها إلى فائدة عملية تعود بالنفع عليك وعلى عائلتك ومجتمعك وتحفز كل من حولك بأن قطار الحياة يمشي وأنك تستمتع بكل المراحل والمناظر والظروف التي يعبرها ومهما تغيّر شكلك وزادت تجاعيدك تجمّل بروحك ومشاعرك وعطائك، واجعل الأمل والنظرة الإيجابية هما خير معين بالتفاؤل بالقادم السعيد.