د. محمد عبدالله الخازم
كما هو المعتاد سنويًا عقد اجتماع الملاحق الثقافيين برعاية معالي وزير التعليم، الذي أطلق حزمة من التوجيهات والمحفزات وكذلك الوعود في مجال الابتعاث. مثل هذه اللقاءات تناقش قضايا إجرائية وهو أمر طبيعي عندما يجتمع التنفيذيون وكل منهم محمل بتفاصيل عمله وصعوباته اليومية. لست أتوقع منهم أكثر من ذلك، بل أشكرهم وأرجو تمكنهم من إيجاد آليات تنفيذية تسهم في تطوير العمل وحل الصعوبات، فلأجل ذلك تعقد اجتماعاتهم. اجتماعهم حفز كتابة هذا المقال، وهو خارج الصندوق أو خارج أجندتهم كتنفيذيين، أطرح فيه أفكارًا للمستقبل، مذكرًا بتكرر كتاباتي في هذا الشأن من وقت لآخر، بإعتباره جزءًا مهمًا من المشروع التعليمي. ليس الغرض هنا إدانة أفراد بذاتهم، حيث إن موضوع الابتعاث يتعلق بمفاهيم ثقافية واجتماعية ومعرفية متراكمة عبر الزمان، وتحتاج جرأة لتجاوز كل ذلك ورسم رؤية حديثة مختلفة. دعونا نفتح باب النقاش، على أمل أن يكون زخم التغيير الحاصل محفزًا لأن نستمع إلى بعض ونتقبل الأفكار المغايرة لما تعودناه في ممارساتنا اليومية وعبر سنوات طوال..
أبدأ ببرنامج الملك للابتعاث. هناك من يرى قرب نهاية برنامج الابتعاث عن طريق وزارة التعليم ويقترح إعادة توزيع منح الابتعاث المتناقصة يومًا بعد يوم لتكون مرجعيتها الجهات التوظيفية، كما كان يحدث في السابق وما زال يحدث ولكن بشكل متناقص لدى بعض الجهات ومنها الجامعات، هذا باعتبار هدف الابتعاث هو مجرد الحصول على درجات علمية وسد الشواغر الوظيفية، كما يكرر دائمًا. بمعنى آخر؛ يقترحون دعم جهات الابتعاث الحكومية والخاصة لاختيار مبتعثيها وتوظيفهم مباشرة بدلاً من هذه الدورة الهلامية المتمثلة في برنامج وظيفتك بعثتك التي لا تحمل سوى وعود لا تصمد، وكيف تصمد دون توفر وظائف حقيقية؟! هذا رأي وفي الفقرة التالية أطرح وجهة نظري التي ربما لم يسبق مناقشتها.
اقترح تحويل برنامج الملك من برنامج ابتعاث تنفيذي إلى برنامج أو صندوق لدعم التبادل الطلابي (المعرفي) الدولي. لاحظوا أنني أقترح فكرة إلغاء مسمى الابتعاث ليكون «برنامج التعاون الدولي المعرفي». سواء كجزء من وزارة التعليم أو كهيئة أو صندوق مستقل، ليكون مانحًا (وليس منفذًا) لبرامج الابتعاث والتبادل الطلابي والمعرفي الدولي التي تنفذها المؤسسات التعليمية والتدريبية المختلفة كالجامعات التي تكون مسؤوليتها تبني برامج تبادل طلابية وبحثية ومعرفية دولية. برنامج الابتعاث كان مرحلة مهمة أدى دورًا جيدًا لكنه لم يتطور فكريًا وفق تطور التعليم العالي في المملكة ووفق الممارسات العالمية المتقدمة في مجال التعليم والتبادل الطلابي الدولي. على سبيل المثال؛ أُفضل أن ندرب 1000 طالب لمدة فصل إلى فصلين في الخارج على حساب تقليص المبتعثين للحصول على الشهادة الجامعية من 200 إلى 50 مبتعثًا. أريد حصول أكبر عدد ممكن من الطلاب السعوديين على التجربة الدولية وليس بالضرورة الدرجة العلمية من الخارج، وأن يصبح جزءًا من إستراتيجية تطوير التعليم العالي حيث سيسهم في تنشيط دور الجامعات السعودية دوليًا وفي خلق التنافس المطلوب داخلها. طبعًا مع ملاحظة بقاء دعم الابتعاث من قبل الجهات المختلفة وفق احتياجاتها، كما هو معتاد قبل برنامج الملك للابتعاث...
يتبع