د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
نستعرض في هذه المقالة تجربة مهمة في عمل اللوبي داخل البيئة الأمريكية، كنموذج لأداة ضغط ولوبي لمصالح في العلاقات الدولية، هي تجربة اللوبي الإيراني. فقد ترددت منذ فترة ليست قصيرة روايات عدّة عن قوة تأثير اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة، وعن كونه استطاع كسر الجليد بين البلدين، على الرغم من أن نظام الملالي في إيران لا يزال يهاجم أمريكا، كما أنه لا يزال متمسكًا بوصفها بـ»الشيطان الأكبر» وبينما لا تزال المساجد الإيرانية تدعو في كل جمعة - بالموت للشيطان الأكبر. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو ماذا يمثل هذا اللوبي؟ وما مدى قوته واستدامته؟ ويمكن القول بأن اللوبي الإيراني يعَدّ من أبرز جماعات المصالح وأكثرها إصرارًا على تحقيق مصالحه وأهدافه، على الأرض الأمريكية.
ولقد تفهم الإيرانيون أن عملية «الضغط» بلوغًا لهدف سياسي، أو تحقيقًا لغاية إستراتيجية أو تكتيكية، تتطلب تفكيرًا وعملاً إستراتيجيًا ونفسًا طويلاً. وكما عملوا على خلق قواعد شعبية في العالم العربي على مدى ثلاثين عامًا، مكنتهم من بسط نفوذهم في كثير من مناطق جوارهم العربي، فقد عملوا بنفس طويل مماثل، على نشر أفكار تظهر إيران بصورة إيجابية، بهدف تسهيل عملية الانفتاح على النظام الإيراني.
وقد نجح أكاديميون إيرانيون، في مواقع أمريكية عدة، ومنها على نحو خاص مراكز الدراسات والبحوث السياسية والإستراتيجية. فهناك «فالي نصر» في جون هوبكنز، و»حسين موسويان» في برنستون، و»كريم سجابور» في كارنيجي، و»راي تقيه» بمجلس العلاقات الخارجية. ويمكن القول إن هؤلاء، أو معظمهم، قد نجح في إقناع الأمريكيين بأن فكرة إقصاء إيران من المنظومة الجيوسياسية العالمية، هو أمر خاطئ ويضر بالأمن الإقليمي والعالمي. كما طرحوا فكرة أن العداء للولايات المتحدة الأمريكية، هو نتيجة سوء تفاهم. وقد شارك هؤلاء وغيرهم، في تشكيل قدر كبير من الإلحاح، على فكرة أن الشعب الإيراني يحب «أمريكا» ويقدر الشعب الأمريكي، وأن نتائج استطلاع للرأي قد أثبتت أن 51 في المائة من الشعب الإيراني، لديه فكرة إيجابية عن الولايات المتحدة الأمريكية، وأن ثلثي الشعب الإيراني يؤيّد عودة العلاقات الديلوماسية بين البلدين.
ولم يكتفِ الصوت الإيراني في الولايات المتحدة، بتحسين الصورة الإيرانية لدى الأمريكيين فحسب، لكنّه عمَد إلى تصعيد صورته على حساب الصورة الذهنية العربية لدى الأمريكيين الذين تستهدفهم «الرسالة» الإيرانية، فذهبت آراء أكاديميين إيرانيين إلى أن الرأي السائد بين الشعوب العربية، على العكس من الرأي العام السائد في إيران، وأن الشعوب العربية وإن كانت حكوماتها حليفة لأمريكا، معادٍية للولايات المتحدة، وأن الفكرة السائدة لدى الشعوب العربية إزاء الأمريكيين وحكومة الولايات المتحدة، تتسم بالسلبية كما يزعمون.
وقد بالغ أكاديميون إيرانيون في تضخيم ما سمّوه بالعداء العربي لأمريكا، وروّج أكاديميون مثل نصر وموسويان بأن التطرف المعادي للغرب هو التطرف السني، مشيرين إلى أن «داعش» برهنت على ذلك، من خلال قيامها بعمليات في باريس وغيرها، ومن خلال إعدامها مواطنين أوروبيين وغربيين. ويعتقد بأن هذه هي الفكرة الأساسية التي استخدموها من أجل الانفتاح الغربي على النظام الإيراني.
وعلى الرغم من أنه لا وجود رسميًا للوبي إيراني كما هو معروف عن لوبي إسرائيلي على سبيل المثال، إلاّ أن الفكرة الأساسية التي تبناها مؤيدو الانفتاح على إيران، تركّزَت حول دور الانفتاح الاقتصادي وتأثيره الذي يفوق الأيديولوجيا، وقدرته على إزاحتها من صدارة المشهد الإيراني الأمريكي.
وقد شكّلت أفكار وتوجهات الرئيس الأمريكي أوباما أرضًا خصبة لنشر مثل هذه الأفكار. وتزامنت الفكرة الإيرانية، مع الدعوة التي سادت بين النخبة الأمريكية، خصوصًا في مراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية والفكرية، ومع فكرة أوباما الذي أراد أن يتخلص من الصورة العدائية التي قدّمها بوش عن الولايات المتحدة الأمريكية، وأراد أن يحقّقَ من خلالها «اختراقًا» لعدد من الملفات الدولية الصعبة، محاولاً أن يحقق بها انفتاحًا أمريكيًا على العالم.
وقد روج مناصرو الانفتاح بين البلدين لفكرة أن ايران لديها القوة على الأرض، ولا يمكن استثناؤها من أي تفاعلات سياسية، مفاوضات كانت أو تفاهمات أو محادثات. زاعمين أن التجربة الأمريكية في العراق برهنت على موضوعية هذا الرأي، بصرف النظر عن أي موقف سياسي. ذلك أن الولايات المتحدة، وجدت نفسها -خلال احتلالها العراق- أسيرة النفوذ الإيراني، فيما نجد إيران اليوم، تسعى إلى مد نفوذها في المنطقة، وبقوة.
وهنا نلاحظ أيضًا أن معظم النشاط الإيراني الأمريكي قد تركّز قبل المعاهدة النووية على قضايا داخلية تهم الجالية الإيرانية، وكان هدفه الأول تمكينها داخل المجتمع الأمريكي. فتكونت «اللجنة السياسية الإيرانية الأمريكية» بهدف مساعدة الأمريكيين من أصول إيرانية على الوصول إلى مراكز سياسية مهمّة. وفي الإطار نفسه، تكوّنت «رابطة المحامين الإيرانيين الأمريكيين» و»الديموقراطيين الإيرانيين الأمريكيين» و»شبكة المحترفين الإيرانيين الأمريكيين».
ويلاحظ أي باحث معني بقضية العلاقات الإيرانية الأمريكية، أن هناك جهودًا كبيرة تتم في الوقت الحاضر لتوحيد تلك المؤسسات، ودفعها إلى تبني قضايا السياسة الخارجية، لا سيما مسألة الانفتاح على إيران.
ويعد «المجلس الوطني الإيراني الأمريكي» أهم منظمة إيرانية أمريكية. ويكمن نجاحَه في أنه لا يتكلم باسم النظام الإيراني، كما أنه لا يدافع عنه، على الرغم من دوره في التنسيق للقاءات بين مسؤولين إيرانيين وأمريكيين. أما مهمة المجلس -كما هي معلنة على موقعه الإلكتروني، فتركز على خلق تقارب بين الأمريكيين والشعب الإيراني وليس النظام.
ووفقًا لباحثين مختصّين بالشأن الإيراني، فإن المجلس كمنظمة إيرانية - أمريكية، لديه قاعدة شعبية واسعة. وعلى الرغم من أن عضويته لا تتجاوز ثلاثة آلاف عضو، إلا أن وجود جذور شعبية لديه، يعطيه شرعية داخل المجتمع الأمريكي، ما ساعده على أداء دوره، دون اعتراضات أو تحفظات كثيرة على هذا الدور، فهو لا يتبنّى سياسات النظام الإيراني، ولا توجهاته، ولا يدافع عن النظام، ما أعطاه الكثير من المصداقية بسبب هذا التحايل. فالإيرانيون يدركون أن نظامهم غير متجانس مع منظومة القيم الأمريكية، ولذلك، فإنهم لا يحاولون الدفاع عنه، ولكنهم يدافعون عن «مصالح» الشعب الإيراني، وعن حضارته، وعن كونه تواقًا للانفتاح على الغرب.
وحيث طالعتنا وسائل الإعلام المحلية والأمريكية، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، عن تأسيس «لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأمريكية، التي تأمل إلى الوصول إلى المواطن الأمريكي وتثقيفه حول القضايا الخاصة بالشأن السعودي الأمريكي، فإن الكاتب يرى ضرورة إعادة النظر في تركيبتها، وتطويرها لتمثل عمل دائم ومؤسسي، عمل يمثل المجتمع الأهلي السعودي بمكوناته وشرائحه المتعددة والمختلفة، ليصبح قادرًا في المستقبل المنظور إلى تأدية مهامه بالشكل الذي يخدم المصالح والقضايا الإستراتيجية السعودية بشكل أفضل وأكبر، في كافة المجالات، وعلى كل المستويات والأصعدة.
وللكاتب متابعة قريبة حول الكيفية التي يمكن أن ننجح نحن السعوديين، في التأسيس للوبي معاصر وفاعل.