رمضان جريدي العنزي
يحفرون ثم يردمون ثم يحفرون ثم يردمون، مسلسل طويل لا نهاية له ولا خلاص، وفق صور شتى روتينية متكررة ودائمة، حتى تغير شكل الأرض، وشكل الشارع، وشكل المسار، وشكل الرصيف، إنني أتساءل متى ينتهي مسلسل هذا الحفر وهذا الردم وهذا التكرار؟ وأي ليل طويل هو ليله؟ وأي معاناة هي المعاناة؟ إن مؤسسات الحفر والهدم والردم التي تعمل من الباطن، رثة بائسة ومهملة، وتبدو بأنها تعمل من غير نظام ولا خبرة ولا كفاءة ولا تنسيق، تهدر المال العام، وتشوه منظر المدن، وتخلق مشكلات للسير والمرور، وتتلف المركبات، ويقيني التام بأنها تفتقر للكفاءات الهندسية والإشرافية والعمالية بشكل واضح، وينقصها التعقيب والمتابعة والجزاء الرادع، أنها فقط تحوّل أحياءنا وشوارعنا وممراتنا إلى ما يشبه الخراب ثم تمشي، لا تنجز العمل بشكل سليم وحضاري وآمن، بل تنجزه بشكل ضعيف لين وواهن، وبه كساح بائن واعوجاج، حتى صارت شوارعنا ومساراتنا وأرصفتنا مليئة بالأخاديد والنتوءات، ومشاهد القبح والبشاعة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) مبدأ اهتم به الإسلام، حث عليه، وعمل على ترسيخه، أن العمل الصحيح السليم معنى من معاني الحياة، يتخذه الإِنسان سببًا لرزقه، ومظهرًا للتعبير عن نشاطه وإنجازه، وإسهامه في حركة الحياة، وذلك على وجه الإحسان والإتقان، وليس على وجه التقصير والإهمال، إن شريعتنا الإسلامية من ضمن ما تأمرنا به هو إتقان العمل، ليعود على صاحبه بالمنفعة في الدنيا وفي الآخرة، ومن المؤسف أن بعض مؤسسات الحفر والردم، تهمل العمل بهذه التعاليم النقية، والوصايا الهادفة، مستهينين بمعناها وأثرها في رقي الوطن ونموه على الوجه الأحسن والأجمل والأكمل، حجتهم في ذلك الربط بين إتقان العمل وجودته والمقابل المادي!، يتحينون غياب الرقابة والرقيب، ثم يبدون التقصير والتهاون، وهم بذلك يرهقون الوطن والمواطن بإبداء الإهمال في الخدمة والمنجز والعمل السيئ، معتقدين خطأ بأن لا حرج عليهم ولا تثريب، أن العمل السليم جزء من العبادة، وعليه لا يجوز فيه الغش والتدليس والتهاون، أن العمل أمانة، والأمانه عند الله أمرها عظيم، وخلق كريم، وهي جزء من السلوك الفاضل، وجانب مهم من جوانب الإتقان، وهي أداء لحقوق الخلق على وجه الحق، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا}، وقال جل في علاه أيضًا: {وَالَّذِينَ هُمِْأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}، إن تأدية أمانة العمل على أكمل وجه، من أنبل الصفات، وأشرف الفضائل، وأعز المآثر، التي يحرز بها الفرد أو الجمع الثقة والإعجاب، وينال بها الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة، أن على مؤسسات الحفر والردم مراعاة الله، ومراقبته، وإتقان العمل وإنجازه، بعيدًا عن المخالفات والتجاوزات والتعديات وتشويه وتقبيح شكل الشارع وشكل الرصيف، وعلى هذه المؤسسات أن تعي جيدًا أمانة المهنة والوظيفة والمنجز والتحدي، لكي تنجز للوطن والمواطن شيئًا نظيفًا مرتبًا أنيقًا وجميلاً، يلفت الانتباه، ويسر النظر، ويدعو للتصفيق والإعجاب.