د.شريف بن محمد الأتربي
يتداول المجتمع العلمي والتقني بالأخص حالياً مجموعة من المصطلحات التي وإن بدأت غريبة عند انطلاقها إلا أن كثرة تكرارها في الأوساط العلمية ومنها الوسط التعليمي أصبحت تستخدم للدلالة على الرغبة في الاستفادة مما تتيحه هذه المصطلحات من ثورة في المجال الذي تنسب إليه فهي ليست مخصصة لمجال معين. فحين يتم تداول مصطلح البيانات الضخمة أو البيانات الكبيرة Bigdata وكذلك مصطلح الكتل البيانية Blockchain، وأيضاً تعلم الآلة Machine Learning نجد أننا أمام نقلة جديدة في عالم المعرفة كما كان الإنترنت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. فالبيانات الكبيرة هو مصطلح يستخدم لمجموعة من مجموعات البيانات الكبيرة والمعقدة، والتي يصعب تخزينها ومعالجتها باستخدام أدوات إدارة قواعد البيانات المتوفرة أو تطبيقات معالجة البيانات التقليدية. ويتضمن تحدي التعامل مع هذه البيانات مجموعة من النقاط وهي: تنظيم البيانات، تخزينها، البحث عنها، مشاركتها، نقلها، تحليلها، وتصورها. ولهذه البيانات الكبيرة خمسة خصائص هي: الحجم والسرعة والتنوّع والإيذائية (وجود شك أو عدم التأكد من البيانات المتوفرة بسبب عدم تناسق البيانات وعدم اكتماله) والقيمة.
ولكبر حجم هذه البيانات ظهر مصطلح مرادفاً لها ألا وهو: تقنية بلوك تشين Blockchain، وهي قاعدة بيانات أو أسلوب جديد لتنظيم البيانات.
أما تعلّم الآلة Machine Learning فيقوم البرنامج بتعلم ماذا يفعل بناءً على البيانات آلياً، بدون تعليمات محددة من المبرمج. فمثلاً تقنية التعرّف على الوجوه، يقوم البرنامج آلياً باستخلاص السمات المميزة التي تساعده على التفريق بين الوجوه المختلفة، ومن ثم يستخدمها عند إدخال صورة وجه جديد ليتعرّف عليه آلياً. عملية استخلاص السمات المميزة تكون في مرحلة التعلّم أو التدريب (training)، ومن ثم يمكن استخدام البرنامج والتأكد من عمله في مرحلة الاختبار (testing) عند إدخال صورة جديدة.
تمكين البرنامج من التعلّم آلياً فتح آفاقاً شاسعة وتطبيقات لا متناهية، لم يكن بالإمكان أو من السهولة عملها عن طريق برمجتها مباشرة. بعض هذه التطبيقات تستخدمها يومياً، مثل التعرّف على الكلام، التعرّف على النصوص في الصور وتحويلها إلى مكتوبة، أنظمة التوصية الآلية (مثل التي في أمازون)، محركات البحث، التعرّف عند وجود وجه في الصورة (مثل التي في الكاميرات)، والتسويق وتوجيه الإعلانات. وكذلك هناك تطبيقات طبية كتشخيص الأمراض، تطبيقات عسكرية، وأمنية، وتجارية، ولوجستية (كتنظيم خدمات التوصيل الموجهة عن بعد)، وغيرها.
كل هذه المصطلحات والمقصود منها يمكن أن يكون أحد أهم روافد التعلّم في الوقت الحالي ومع التغيّر الكبير في مجال إستراتيجيات التعلّم وكذلك دمج التقنية في التعليم بدأ التربويون في التوجه نحو توظيف هذه التقنيات والبرمجيات في تحسين التعليم ورفع كفاءة مخرجاته.
ففي العصر الحالي لم يعد ارتباط الطالب بالتعليم بمجرد التحاقه بالصفوف الأولى والتغاضي عن مدخلاته المعارفية والمهارية وقيمه وسلوكه في الست سنوات الأولى من عمره خاصة مع انتشار الجوالات والأجهزة اللوحية بين يدي هؤلاء الأطفال الذين أصبحوا من مستخدمي التقنيات الأكفاء.
فالشخصية والسمات المكونة لها أصبحت تلعب دوراً أساسياً في تشكيل التخطيط للتعليم لهؤلاء النشء فالشخصية من أصعب الاصطلاحات فهماً وتفسيراً، حيث أشار لها الكثيرون بأنها «البناء الخاص بصفات الفرد وأنماط سلوكه الذي من شأنه أن يحدد لنا طريقته المتفرِّدة في تكيفه مع بيئته، والذي يتنبأ باستجاباته.
وللوراثة، والنضج، وأسلوب التنشئة خلال مرحلة الطفولة، والدوافع الاجتماعية والقيم التي تكتسب عن طريق التعلّم مع الخبرات المكتسبة، دور كبير في تشكيل الشخصية، حيث إن ما يصدر من قول أو فعل لا بد وأن يكون منسجماً مع البناء الكلي للشخصية.
وللاستفادة من هذه السمات الشخصية في التعليم يمكن استخدام البيانات التي يتم جمعها حول هؤلاء الطلاب في مرحلة ما قبل التعليم وإضافة نتائج بعض اختبارات قياس نسب الذكاء ومزجها جميعاً من خلال الآلة والتي ستعمل بدورها على تحديد المسار التعليمي الأفضل لهذا الطفل وكلما زادت البيانات مع زيادة العمر والنمو الفكري والجسدي للطفل كانت فرصة الاستفادة من مخرجات البيانات في تحديد مخرجات التعلم الجامعي أكبر وبالتالي يمكن الاستفادة منها في معالجة البطالة وضعف عدد خريجي بعض المسارات والتي يحتاج لها سوق العمل السعودي بشدة.
إن مستقبل التعليم أصبح مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالاستفادة بكل من Bigdata، Blockchain، Machine Learning.