رقية سليمان الهويريني
ما كان يدخل في محور الخصوصية قبل ثلاثين سنة تقلص قبل عشر سنوات، وما كان يعد عيبًا قبل سنوات اضمحل وصار عاديًّا، وهكذا تتبدد المفاهيم الاجتماعية البائدة؛ ليبقى ما ينفع الناس، وما يقرب بينهم، وما يجعلهم نسيجًا واحدًا.
ذكَّرني بذلك تلك الصيحات المتعالية استنادًا إلى أسطوانة (الخصوصية) وعدم الرضا بالقرار السيادي القاضي بإلزام المرأة ببطاقة تحمل صورتها الشخصية التي تثبت حقها بالمواطنة، وتسهل إجراءاتها دون الاعتماد الكلي على الرجل، وبهدف الحصول على الخدمات المدنية، وما تلاه من رفض دخولها استاد كرة القدم والسينما، وأخيرًا قيادة سيارتها.
وأستطيع تفهُّم رفض الرجل فكرة تضمين صورة المرأة في البطاقة، ومنعها من قيادة السيارة؛ فهو إرث ثقافي، ليس له علاقة بالشرع ولا الرجولة، ولا يلام عليه؛ إذ تشربه منذ الصغر بناء على مفهوم الملكية التامة للمرأة (جسدها وشكلها وجمالها ومالها وما يمت لها بصلة)، بينما هي لا تستطيع تملك حقها في المواطنة بالحصول على البطاقة إلا بإذن رجل، وهو ما عالجه قرار السماح لها نظامًا بالسواقة؛ إذ لم يشترط موافقة ولي الأمر.
أتفهم ذلك تمامًا، وهو مؤقت -بلا شك- ولكن ما لا أستطيع فهمه هو رفض بعض النساء وترددهن في الحصول على البطاقة المدنية، أو عدم تقبل سواقة السيارة بحجة أنها لم ولن تحتاج لها، وتراها تردد (الله لا يجيب الحاجة!)، أو تردد أسطوانة (هناك أشياء أهم!). ولست أعلم ما هو الأهم من سعي الحكومة لتجنبها الحاجة الدائمة للرجل؟!
هذا بالضبط ما يريده الرجل المتسلط فقط! دوام الحاجة له، وشعوره الدائم بالملكية، ورفض رؤية الناس شكل زوجته أو بناته، وكأنهن عار بحكم الملكية، واتهام غيره بنقص الغيرة! أما الرجل الحضاري فقد سارع بحثّ أخته وابنته وزوجته على الاستفادة من الإجراءات التي تسهّل أمورهن؛ ليعتمدن على أنفسهن، ويشاركنه المواطنة الجميلة.
مبروك للمواطنة السعودية حصولها على حقوقها بانسيابية وهدوء، وهي حقوق مزدوجة للوطن وللمرأة، ونأمل بالمزيد.