خالد بن حمد المالك
لو كانت هناك ديمقراطية حقيقية، ولم تتدخل قوى خارجية، وأصغت الأنظمة إلى صوت الشعب، ولو كان هناك اقتصاد مزدهر، ونظام بلا فساد، وتحوُّل من الفقر والجوع إلى تمكين المواطن من الحصول على فرصة عمل ودخل مناسب، لما كان هذا مظهر الشارع في كل من الجزائر والسودان.
* *
ثلاثون عامًا حكم فيها بوتفليقة والبشير الجزائر والسودان، وتركاهما تحت هدير وضغط المواطن، خاوية خزائن الدولتين من المال، وبلا أي أمل في تحسين الوضع الاقتصادي في البلدين؛ وهو ما جعل المواطن يكره هذين النظامين، وجعله يتخلى عن صمته، ويعلن غضبه الشديد من الحالة التي تمرُّ بها الدولتان.
* *
السؤال: كيف قَبِل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة - وهو المريض - أن يواصل البقاء على كرسي الرئاسة ثلاثين عامًا وهو يعرف أن مَن يدير البلاد بعد أن وهن صحيًّا رموزٌ في النظام، وهم من تتهمهم الحشود الكبيرة بإفساد البلاد، وبالتالي رفضها أن تنقل السلطة لهم ولو بشكل مؤقت، فيما كان عليه أن يتجنب هذه المواجهة مبكرًا؛ فلا يسمح لنفسه بقبول نصائح مَن كان لا يفكر إلا في مصلحة نفسه بعيدًا عن مصالح المواطنين.
* *
وأنت يا عمر البشير، وقد أمضيت في حكم البلاد السودانية بالحديد والنار ثلاثين عاما، ولم تأبه بالاحتجاجات التي تتكرر عامًا بعد آخر في البلاد، معتقدًا أنك أقوى من الشارع إذا ما انفجر، ملوحًا بعصاك، ومعتمدًا على حاشية من العسكر، فلم يحموك ولم يحموا أنفسهم مع تصاعد أيام الغضب، فيما كانت الفرصة مواتية لأن تتجنب المواجهة، وتعتزل في الوقت المناسب؛ لئلا تكون النهاية مأساوية لك كما هي الآن.
* *
دولتان أصبحتا الآن مسرحًا للمظاهرات، وبيئة جاذبة للتدخُّلات الأجنبية، ومصدر إلهام للإرهاب والإرهابيين، ومكانًا مفضلاً لإحداث الفوضى في دولتين تعانيان أساسًا ما يكفي عن تردي اقتصادها، وغياب الحرية، والانقسامات بين المواطنين بحسب الأجندة لكل منهم، وربما أن ما يتم ولو في جزء منه هو بقدر حجم التدخُّل الخارجي في أوضاع الجزائر والسودان.
* *
إننا نتابع بقلق ما يجري في هاتين الدولتين، ونضيف إليهما ما تمرُّ به ليبيا من مواجهة بين الجيش الوطني وقوات حكومة الوفاق المقيمة في العاصمة الليبية؛ فلا نملك غير الشعور بالصدمة مما آلت أو ستؤول إليه هذه الدول من خراب وتخلُّف وقتل وإصابة أبرياء.. فيما كانت الحلول السلمية ممكنة لو أُديرت هذه الدول بشكل أفضل مما هي عليه الآن.
* *
وإنَّ الخروج من هذا المأزق في كل من السودان والجزائر هو أن تُلبَّى مطالب المواطنين دون تأخير، وذلك باختيار النظام المدني القادم الذي يطالب به المواطنون بعيدًا عن التلكؤ، أو الاعتقاد والرهان على أن عامل الوقت لصالح إطفاء هذا الحماس الجماهيري الغاضب المتواجد في الشوارع والساحات. أما في الحالة الليبية، فإن على قوات الوفاق في طرابلس أن تتجنب المواجهة مع الجيش الوطني حقنًا للدماء، وتفعيلاً لطلب الجيش الوطني بإخلاء طرابلس من الإرهابيين، وأن يلي ذلك تفاهم على مستقبل ليبيا بين الجيش الوطني وحكومة الوفاق.