محمد عبد الرزاق القشعمي
وقد استلفت نظره أن دولة رئيس مجلس الوزراء محمود فهمي النقراشي يقطن في فيلا أرضية متواضعة، كان الصالون فيها يشترك مع مائدة الطعام في جانب منه في قاعة واحدة يتوسطها تمثال نصفي لدولة أحمد ماهر، مما دله على نزاهة الرجل وعفة نفسه، وكان يذهب للوزراء وكبار قادة الجيش في منازلهم أو وزاراتهم بما فيهم وزير الأوقاف الشيخ مصطفى عبدالرزاق الذي نقل إلى مشيخة الأزهر قبل أيام. وقد استغرب أن يقدم له سيف وقد صار شيخاً للأزهر.
وقال إن الشاعر أحمد إبراهيم الغزاوي ضمن أعضاء الوفد قد ألقى قصيدة قال فيها:
وأخشى الذي أخشاه من مصر أنها
تنازعنا فيك الهوى فنضيع
وقال إن عباس محمود العقاد أحد مرافقي الملك في رحلته إلى مصر (عضو بعثة الشرف) قد ألقى قصيدة في ذكرى جلوس جلالة الملك عبدالعزيز التي صادفت المناسبة في عرض البحر، قال في مطلعها:
أسد العرين يخوض غيل الماء
يا بحر راضك قائد الصحراء
حياه ماضيها وحاضرها معاً
فاغنم تحية يوم الوفاء
وذكر أن ابن مشعان أذن للصلاة في قصر عابدين أثناء الحفل الثاني الذي أقامه الملك فاروق عندما حل وقت صلاة الجمعة.. وأدى الملك عبدالعزيز ومرافقوه صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً، وكان بجانبه الملك فاروق وكبار الشخصيات المصرية.
وذكر أنه بحكم عمله يقضي تسعة أشهر في السنة من كل عام في الخرج أثناء الحرب العالمية الثانية برفقة الوزير السليمان إذ كان يعد الخرج ليكون سلة الخبز.
ورافق الأمير مشعل بن عبدالعزيز الذي خلف أخاه الأمير منصور في وزارة الدفاع إلى فرنسا فإنجلترا فالولايات المتحدة الأمريكية بالبحر عبر المحيط الأطلسي بالباخرة (كوين اليزابيث) التي كانت أيامها أعظم البواخر العالمية، وكان ذلك في عام 1371هـ- 1951م، وقال إنه يحتفظ بقائمة الطعام في الدعوة التي أقامها رئيس الجمهورية الفرنسية أذاك الجنرال شارل ديجول لسمو الأمير، وقد طلبت من الرئيس التوقيع على القائمة للذكرى -وقد سلمني هذه القائمة كهدية لتحفظ ضمن مقتنيات مكتبة الملك فهد الوطنية. وذلك خوفاً عليها من الضياع كما ضاع من قبل الأوسمة والنياشين التي احتفظ بها بواسطة مكتبة (ماصته) وضع في ممر ضيق بالمنزل أخرجته أم الأولاد وباعته في غيابه بالحراج، وعندما سأل عنه قالت أنه ضيق علينا وأعطيته فلان لبيعه بالحراج.. فذهبت أبحث عنها ولم أعثر عليها وهي النياشين من فاروق وحسين وقصيدة عباس العقاد في الملك عبدالعزيز.
وقال إنه أصبح رئيساً لمكتب وكيل وزارة المالية عندما تم تعيين الشيخ محمد سرور الصبان وكيلاً لها بدلاً من الشيخ سليمان الحمد السليمان ثم ممثلاً مالياً بوزارة الصحة لعلاقته الوثيقة بوزيرها الدكتور رشاد فرعون.
وذكر أنه رافق سليمان الحمد بالسفر للأردن أثناء زيارة الملك سعود لها وقد منح مع مرافقي الملك الوسام الأردني المعتاد.
وطلب التقاعد إلا أن المسؤولين طلبوا منه البقاء لبعض الوقت، وفي هذه الأثناء رحل الشيخ محمد سرور الصبان إلى مصر فعهد إليه عمل وكيلاً لوزارة المالية وكان الوزير وقتها الشيخ عبدالله بن عدوان تحت مسمى وزير دولة للشئون المالية والاقتصاد.
فشكلت لجنة برئاسة أمين عام مجلس الوزراء وعضو من وزارة المالية وعضو عن ديوان المراقبة العامة مع رئيس ديوان الموظفين لأجل مناقشة ميزانيات الوزارات والمصالح الحكومية وإقرارها وكان ذلك في عام 1378هـ وكانت الحالة المالية للدولة تعاني إذاك بعض الضيق فاختارني الوزير -ابن عدوان- لعضوية اللجنة بوصفي مديراً عاماً لميزانية الدولة فلاقيت من البلاء والعناء من مناقشة أصحاب السمو الأمراء في ميزانيات وزاراتهم ما عاد علي بالأذى. إذ كان كل أمير يتوق إلى تأمين النفقات ليقود الإصلاح في العهد الجديد، وكنا كلجنة نهدف إلى تقديم موازنة في حدود إيرادات الدولة وإمكاناتها.
وبانتقال ابن عدوان كوزير للمالية والاقتصاد الوطني بدل وزير دولة، شغرت وظيفة وكيل الوزارة فكلف إلى جانب عمله مدير المالية العام. مما زاد إرهاقه فأصر على التقاعد. وكان له ذلك في عام 1379هـ فتفرغ للأعمال الحرة مكتفياً براتب التقاعد.
هذ وقد أسس شركة الخزندار للتوزيع والخدمات الطبية ووهبها لأولاده، ويديرها ابنه حسن، وكانت بدايتها مكتبة (دبوس) أحد أبناء لبنان الذي افتتحها وخصصها لتوريد وتوزيع المجلات العلمية الأجنبية إلا أنه باعها للخزندار وزميله أحمد باشماخ فاشترى نصيب زميله وطور المكتبة وحولها إلى شركة للتوزيع وأضاف لها الخدمات الطبية، وكنت أتذكر في شبابي مكتبة ضخمة بشارع الوزير بالرياض اسمها (مكتبة دبوس) لا يدخلها إلا الخواجات.
وقد ذكر من أساتذته في مدرسة الفلاح عبدالله حمدوه السناري مدير مدرسة الفلاح بمكة، والمدرسين: يحيى أمان وأحمد ناضرين اللذين توليا القضاء فيما بعد، وعيسى رواس ومحمد العربي البناي.
وعدد أسماء من تولى إدارة مدرسة الفلاح بمكة بعد وفاة مديرها الشيخ عبدالله حمدوه، الشيخ عمر حمدان المحدث الشهيد والشيخ الطيب المراكشي، والسيد بكر حسني والسيد حسن ساده والسيد علوي عباس المالكي والسيد محمد أمين كتبي، والشيخ نور سيف، والسيد إسحق عزوز، والسيد أمين رضوان. وقد تخرج من هذه المدرسة الكثير من الذين تولوا الإدارات والأعمال الحكومية بنجاح كبير. وذكر أن الأستاذ عبدالوهاب آشي كان رئيساً له في فترة من فترات عمله بوزارة المالية.. وقال إنه حاول الكتابة بالصحف ولكنه لم يستمر وذكر أنه قد كتب مقالاً أدبياً في صحيفة عكاظ يرد فيها على الأستاذ الزبيري باليمن الذي كتب زاعماً أن الحجاز لم يعرف الشعر النبطي إلا بعد اليمن وأن أول وأبرز من قال الشعر النبطي من اليمن هو فلان من آل رميثة.. فكتب إليه في الرد مفنداً ما زعمه وذكر أن آل رميثة هم من أشراف الحجاز الذين نزحوا إلى اليمن. كما أعد بعض البحوث التي لم تنشر عن بعض الآيات القرآنية.
وكتب مقالاً يدعو فيه إلى التنادي بمقاطعة بضائع الولايات المتحدة الأمريكية على مستوى الشعب وذلك بميثاق شرف على ألا نستورد منها شيء جديد، وأن يتبع ذلك دعوة للشعوب الإسلامية لاتخاذ مثل هذا الموقف، وذلك عقاباً لأمريكا على انحيازها لإسرائيل ضد العرب. وأخيراً قال: « أما أولادي الذين هم على قيد الحياة الآن بفضل الله ورحمته فهم:
أولاً: ثلاثة أبناء أكبرهم حسن وثانيهم عابد وثالثهم سهيل، والأول منهم يدير حالياً شركة الخزندار للتوزيع والخدمات الطبية، أما الثاني عابد فهو أديب ناقد نال شهادة الماجستير في العلوم الزراعية، لكنه بعد أن ترك وظيفة مدير عام الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة اتجه إلى الأدب وهو يتقن اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية.. أما أخوه حسن الذي مر ذكره فتخرج من كلية الآداب بمصر وهو يتقن الإنجليزية ويدير إلى جانب الشركة أوقاف الخزندار بمكة المكرمة بوصفه ناظراً عليها. أما سهيل فتخرج من أمريكا وعمل في الحكومة بعض الوقت ثم اتجه للأعمال الحرة.. إضافة لأربع بنات، وكلهم تعلم لأرقى المستويات الممكنة».
هذا وقد كرمه عبدالمقصود خوجة في إثنينيته بجدة في 14-1-1421هـ 17-4-2000م. وقد ألقيت كلمات بالمناسبة. منها كلمة ابنه عابد الذي قال عن والده: «... وإذا كانت البيئة التي نشأت فيها قد أُشبِعت بالحب، فإنها أيضاً قد أينعت بالأدب، وحينما فتحت عيني على الحياة وجدت أن الكتب والمجلات تحيط بي من كل جانب وكانت الكتب في تلك الأيام عملة نادرة، ولكن بيتنا كان غنياً بها خاصة وأنه بجانب كتب أبي كانت هناك كتب عمي حسين، وهو من أدباء الرعيل الثاني في الحجاز..».
وقال أيضاً عن والده: «... وهو وإن لم يكن له نتاج أدبي إلا أنه واحد من مؤسسي الوعي الجديد الذين أخلصوا في تحويله إلى مشروع بناء أمة..».. هذا وقد توفي (رحمه الله) بجدة عام 1428هـ-2007م وصلي عليه بالحرم المكي ودفن بمكة المكرمة.