د. صالح بن سعد اللحيدان
أصل كلمة (العبقرية) أنها تقود إلى وادٍ في بلاد اليمن يُدعى (وادي عبقر)، وهو وادٍ موحش طويل، تكتنفه الجبال من جانبيه, ولا يكاد أحد ما يجتازه أو يقطعه ليلاً إلا قوي القلب، وهم يزعمون أن الجن تسكنه، وليس ببعيد.. ومن يجتازه يُسمى (عبقرياً) لجرأته وقوة قلبه. وقد ينسب هذا تجوزاً إلى عالم أو طبيب أو مُحقق أو ناقد إذا تجاوز وجاء بجديد لم يُسبق إليه, ويوصف به القائد والمفكر والحاكم.. وعلى هذا الأساس جرى الوصف به لكل من اتصف بالقوة والعدل والنباهة والجديد من الأمور الجيدة.
وهنا في هذا المعجم أحاول بسط ذلك بشيء من الاختصار مع ضرورة ذكر بعض صفات العباقرة رجالاً ونساءً. وإذا كنت قد ذكرت سبب التسمية مما هي العبقرية أقول:
1/ إنها صفة عقلية (من القطع).
2/ إنها صفة فكرية (من الإضافة النوعية).
3/ إنها صفة ذهنية (من إجادة الرأي).
4/ إنها صفة علمية (من التجديد العلمي الرزين).
5/ إنها صفة نفسية (من سلامة النفس وقوة الثقة).
6/ إنها صفة قلبية (من الجسادة المتزنة).
7/ وهي صفة للقوي في سياسته وأوامره.
8/ وكذلك يتصف بها من انتقد وأضاف وبذل.
9/ والعبقرية صفة من صفات الموهبة يؤتاها المكيث المتأني من الساسة والقضاة والعلماء، خاصة أهل التحقيق من ذوي الباع التأصيلي.
10/ ويوصف بها الشجاع المدرك مَواطن الكر والفر.
11/ وتوصف بها (المرأة) إذا سادت وخرج منها الأفذاذ بتربية حرة جيدة عالية، وهذا معلوم فيقال: (تلك عبقرية).
12/ وهي صفة للداهية من الرجال والنساء إذا اتصف بما موجبه يرمي إليها كسداد الرأي وقوته وحرارته.
13/ وأورد الإمام البخاري في (الصحيح) عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه وصف عمر بن الخطاب فقال: «فلم أرَ عبقرياً يفري فريه». وهي كناية عن القوة العقلية والنفسية والبدنية.
14/ يوصف الإنسان بالعبقرية إذا كان ينزع لرهافة الحس وحسن الملاحظة وحسن التصور للأشياء ابتداءً.
15/ تكون العبقرية حسب الدراسات البحثية ذات نزوع إلى صلافة الشخصية وحدة الطبع والإلهامات التي يتحقق منها الكثير.. وعلى هذا فالعبقري في التحليل الأخير يُعتبر (نسيجًا وحده).
ولعلي أذكر أنه من المفيد هنا أن العبقري قد يختفي بسبب طغيان الذكي والنابغة؛ لأن من صفات الذكي والنابغة الميل إلى حب الترؤس وإظهار الذات، وإن كان النابغة أمهر من الذكي لإخفاء عواطفه حتى يصل إلى مراده.
لكن العبقري لديه امتعاض شديد، يقوده إلى كراهية التقمص وحب الذات ومصالحها؛ ولهذا فهو قد لا يلتفت إليه ما لم يُبحث عنه بشدة مراقبة حتى يوضع في مكانه الصحيح؛ ليستفاد منه طراً حتى وإن كان صريحاً، وفي بعض آرائه تجاوزات؛ فهذه طبيعته وجبلته؛ ولهذا تعد (العبقرية) من الصفات الأولى من صفات الموهبة الحرة.
المشكلة في العبقري حال الطفولة المبكرة أنه ذو ميول إلى عدم المبالاة مع شيء ظاهر من العناد، بخلاف الذكي والنابغة فإنهما يميلان لشيء ظاهر من المجاملة وحب التزلف، وذلك ما بين سن (10 سنوات حتى 18 سنة).
ولهذا قد يُبعد العبقري ويُقرب الذكي والنابغة، وفي هذا خسارة للسير نحو: (التجديد النوعي).
وهذا - ولا جرم - فيه أرجوحة للسير صوب العجلة وظواهر العمل دون بواطنها، تلك التي تحتاج إلى التركيز عليها دون سواها.
(العبقري) مشكلته أنه حساس، لديه - كما يقول العوام - (نرفزة)، لكنها محببة؛ إذ توحي بصدقه، وليست تلك (النرفزة) المختلطة بالعناد وفرض الشخصية؛ فهذا وذاك دالان على الضعف، والعبقري ليس كذلك.
والعبقري مكانه حسب ميوله في الصدارة كرئيس أو قائد وما شابه ذلك، سواء في القضاء أو الفكر أو الاقتصاد أو الطب.. وقس على هذا، لكن يجب - بحسب دراساتي وقراءاتي - أن يتغاضى الكل عن صراحته؛ فالتغاضي بتجاهله مهم لشحذ عقليته على التجديد والسبق، لا على الظواهر والشكليات والبهرجة فقط.
من صفات العبقري ما يأتي:
1/ ميله للانطواء الإيجابي.
2/ ثقته العالية بقدراته.
3/ حبه للجد دائماً.
4/ يستعمل كلتا يديه، غالباً الشمال.
5/ يُسرع الصلع عليه وسط الرأس.
6/ يستلقي على ظهره غالباً.
7/ لديه خوف طبيعي إيجابي.
8/ قد تفوته بعض المواقف لطهارة سجيته؛ فيقع في براثن العداوة والوقوف ضده.. ومن هنا قد ينكسر ويهيم في جو الهم والكدر ما لم يؤخذ بيده ويُحسن وضعه من قِبل رؤسائه.
9/ قوي الاستيعاب لما يقال له، لكنه قد يضيف جديداً على ما قيل له.