اخْفِض الصَّوْتَ فالملائكُ تتْلُو
في سَمَا الجَوْفِ مِن دُعَا الأنْبيَاءِ
اخْفِض الصَّوْتَ فالمكانُ مُهيبٌ
والتّراتيلُ من عِنانِ السّمَاءِ
واسْتَمِعْ للنِّدا من القلبِ يهفُو
وتَلَمَّسْ مَحَبَّةَ الأصْفِيَاءِ
وانْهل الوُدَّ من مَعينٍ غزيرٍ
سَلْسَبيلٍ من النّقا والصَّفاءِ
وتَرفّقْ هُديتَ فالجَوفُ عَذْراءُ
تجلَّى جمالُها في إبَاءِ
وتأمَّلْ رعايةَ اللهِ فيها
إذْ كَساهَا بِحُلَّةٍ خَضْرَاءِ
واجْتَبَى المَجْدُ في رُباهَا غِراساً
فتَبدَّتْ في رَوْنَقٍ وبَهَاءِ
****
يا أميرَ القُلوبِ ألْهَمْتَ شِعْري(1)
فاكْتَسَى مِنْكَ حُلَّةً مِنْ نَقاءِ
وتَغَنَّى بِأعْذبِ الّلحْنِ عَزْفاً
وتَعالَتْ أصْواتُهُ في حُداءِ
واسْتَقَى مِنْكَ سامِياتِ المَعاني
وتَجَلَّى في غَيْمةٍ سَحَّاءِ
يا ابْن مَنْ وَحَّدَ البِلادَ إخاءً
بَعْدَ عَيْشٍ في فُرْقَةٍ وعِداءِ
ورعاها بِحِكْمَةٍ واعِْتدالٍ
وحَماها مِنْ عادِياتِ الجَفاءِ
يا ابْن نَوَّافَ يا سَليلَ أبِيٍّ
قُدْوَةٍ في عَزيمَةٍ وَوَفاءِ
وتَحَلَّى بالحِلْمِ مُنْذُ صِباهُ
وتَجَلَّى بِقُوَّةِ الأُمَناءِ
أَنْتَ صِنْوٌ لِجَدِّكَ الشَّهْمِ عَزْماً
في سُمُوٍّ وحِكْمَةٍ ودَهاءِ
واقْتَبَسْتَ العُلومَ مِنْ نَبْعِ سَلْمانَ
وحُزْتَ الوفا وطيبَ الثَّناءِ
فهنيئاً لِلجَوْفِ فيكَ أميراً
حاكِماً في عَدالةِ الأتْقِياءِ
****
يا غِراسَ الزّيْتونِ حَظُّكِ نَامٍ
إذْ تَربَّعْتِ في صَعيدِ رَخاءِ
وتَفَيَّأْتِ في رِعايةِ صَحْبٍ
وأيادٍ كَريمةٍ مِعْطاءِ
فَرَعُوا الغَرْسَ في حُنُوٍّ وبِرٍّ
وَسَقَوْهُ منْ مُزْنَةٍ غَرَّاءِ
نحنُ للجَوْفِ قدْ حَثَثْنا المَطايَا
قادَنا الجَدْيُ لِلسَّنَا والسَّنَاءِ
وهَدانَا لها من الشَّوْقِ دَفْقٌ
نابِضٌ في وريدِنَا بالنَّقاءِ
واحْتَوَتْنا في صَدْرِها بِحَنَانٍ
وحَبَتْنَا بِجُودِهَا والجَدَاءِ
أينَ ما سِرْتَ فالقُلوبُ تُراعيكَ
سخَاءً في ظِلِّهِمْ والحِبَاءِ
وتُناديكَ أيُّها الضّيْفُ أهْلاً
عُجْ وشَرّ ِفْ في رَوْضَةٍ غَنَّاءِ
****
كلُّ يومٍ أحِسُّ أنّي قريبٌ
من كِرامٍ سمَوْ إلى العَلْيَاءِ
كُلُّ يَومٍ في الجَوْفِ أشْعُرُ دِفْئاً
وكَأنَّي بَقِيَّةَ الأقْرِباءِ
أذْكُرُ الدكَّةَ التي قدْ بَناهَا
لِسُراةٍ حَلُّوْا من الغُرباءِ
أرْيَحِيٌّ من السَّدارَى حَفِيٌّ (2)
دَوْسَريٌّ من أكْرمِ الكُرماءِ
شادَهَا في فم الطّريقِ لِتَهْدي
طارِقَ الّليلِ في فُصولِ الشِّتاءِ
****
أنْتَ في الجَوْفِ في ضِيافَةِ صَحْبٍ
لنْ يمَلُّوا من اغْتِنامِ العَطَاءِ
طَمَحُوا لِلعُلا فنالُوا ذُراهُ
وتَوالَتْ جُهودُهُمْ في البِنَاءِ
علّمَوْني مَعْنًى من الجودِ سَمْحاً
وحَبَوْني بِلُطْفِهِمْ والإخَاءِ
أسْرَعَوْا لِلفَخارِ أنْعِمْ بِقًوْمٍ
قدْ أفاضُوا من طيبِهِمْ في سَخَاء
* * * * * * *
أنْتَ في مَرْكزِ السِّديريِّ تَشْدو
في حُضُورٍ من خِيرةِ الفُضلاءِ
مَرْكزٌ شَعَّ بالثّقافةِ نُوراً
ومضَى في عَزيمةٍ ومُضاءِ
وتَبَنَّى الرُّقِيَّ في وثَبَاتٍ
وتسامَتْ بُحُوثُهُ في ذَكَاءِ
اخْفِض الصَّوتَ فالملائكُ تَتْلُو
في سَمَا الجَوْفِ من دُعَا الأنْبِيَاءِ
اِخْفِض الصَّوْتَ فالمَكانُ مُهيبٌ
والتَّراتيلُ من عِنانِ السّمَاءِ
.. ... ...
الهامِشْ:
(1) يا أمير القلوب: الخطاب موجّه لسمو أمير منطقة الجوف الأمير فيصل بن نوّاف بن عبد العزيز.
(2) أرْيحيٌّ من السّدارَى: هو الأمير عبد الرحمن بن أحمد السّديري، أمير منطقة الجوف من عام 1362هـ إلى عام 1409هـ، وخلال إمارته شجّع على تعليم الفَتاةِ في منطقة الجوف، وشَيَّد مكتبة الثّقافة العامة على نفقته، وأسَّس مؤسّسة عبد الرحمن الأحمد السّديري الخيرية عام 1383هـ، فضلاً عن تشجيع الزراعة والصناعة، وبنَى - رحمه الله- دَكَّة ضِيافةٍ لتكون مقْصَداً لطُرّاق الليل من الغُرباء ومَضافةً لهم - رحمه الله.
* أُلقيت في الأمسية الشعرية بمركز الأمير عبد الرحمن الأحمد السديري الثقافي في الجوف وبرعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن نوّاف بن عبد العزيز أمير منطقة الجوف، في مساء يوم الأحد الثاني من شعبان 1440هـ، الموافق 7 أبريل 2019م.
** **
- عبد القادر بن عبد الحي كمال