بالأمس وأنا بين ركام أرشيفي وقعت على مادة من سنوات حبّرتها لكني - ربما - تماهلت من إرسالها، فعزّ عليَّ أن لا ترى النور!، بالذات وهي في عزيزة جدًا عليَّ، بل بعدني.. لا أدرِ
هل هي لوحة أدبية منظرها فتّان
أم قطعة رثاء نزعتها من الوجدان
ولأني نازعتني حولها نفسي أن تصدرها،
فلا تصافح عين غير كاشحة عن الأدب و... إذ إنها (لكأنها)أنفاس حرّى.
أو خلجات باحت عن نجوى.. جاشت بها النفس لمن هي بمقام النفس، مادة جلّها افتخار، بمن ذات قدرٍ وإكبار.
فاستأذن في نشرها، وإن انطوى أثير دافعها، لكن لما يكون لها مدد داخلي.
يسند ذاك مني.. أو يشفع (أن بنات الأفكار يصعب وأدهنّ)!، فكيف بحالها.. وحال من سطّرهن؟
ثم لأن عبرها عائم في أم المكارم سمو {الوالدة} الجوهرة الجلوي يرحمها الله/
....يا سلوة عنها موعدها «الحشرُ»
كذا وقفت بي (أحرفي) قبل أن تُثري....
وهي تكاد ترفرف أنه لا عجب لمثل حالي...
في مضي سجع سارب بالليالي، مستخفّ بالنهار..حياء، لكن ما العمل؟ ودمعة على الغالية مدرار.
.. يا لهذا الإنسان ومشاعره التي تحوي النقائض.. فمثلاً/
حين تنبأ عن فلان أنه مسافر.. حتمًا ستدعو له بسلامة الحل والترحال.
أو أنه مريض فحسب مرضه الذي في أحايين تجده متفاقمًا.. ما يدعك تدع ما بين يديك من مشاغل معتادة لا يخلو منها روتين يومياتك، فتخفّ نفسك وتهرع ذاتك ميممة تلقاء مقام ما تضعضعت صحته فأقعدته على السرير الأبيض.. لزيارته
لكن حين يقال لك (مات..) تُبهت -عندئذ-! قبل أن تعي مرام المقال.. مما راعك الأثر وروّعك الخبر..
بخاصة أن الموعد القادم- معه- (الحشر..)
لعل هذا طُرّا الذي يجعل من الموت موقف تتجلى به صدق المشاعر.. من الآخر..
ليس للرأفة به أو الرحمة وهما بالتأكيد أولى علائم ما يبدر منك حياله، أعني ليس بسببهما.. فحسب..
بل لأن ضعفنا الداخلي يتجلّى بكل صوره أليس يكرر الوعّاظ على الأسماع..
«كفى بالموت وأعظًا»
بل بالغوا (وحُقّ لهم) أنه..
من ليس له من الموت وأعظ
فلن تكفيه كل المواعظ
وهذا الصحيح، فمن لا يعير آخر محطات الدنيا ما تستحق في خلده أو يحرّك به شيء ولو ما يرفع به العتب..!
فذاك ذهنه ذهن العصافير، أو قلبه جلمود صخر، لا تُأمّل منه شيء.. ولو سقط من علي..
ولأن الموت كُتب على الخلائق (بلا استثناء) فقد كان موضعه هو موضع الصدق من المشاعر.. مما نخفي لزيد أو عمرو
من الغالين، أو حفيين وراء وجه معرفتنا به، وما هي مبنية عليه
من أي رابطٍ كان، ديني/إخوة/محبة/صحبة..
.. على اختلاف وشائج ما (يجمعنا به) يبقى للموت موضع وقعه.. أن لهُ حالةً من التوقير..
فقد تختلف غزارة ما تبديه حيال الفقيد، لكن الذي يبقى في خلدنا واحد متماثل بالغالب.. وهو/
تفاعلنا مع الموت.. إن حلّ بأحد ممن يخالطنا، أو من العشير الموآلف..
وبعدها نأتي لنتساءل مع أنفسنا /
أن متى آخر مرة رأيته؟
.. ويا تُرى! كيف تركته بعدها؟
وفي مكنوننا تدور أمنيةً لا نعدوها:
(أكان راضٍ عني، أم...)
مما لا ننفكّ من أسئلة حولها تحوم دوائر الذات.. وقد تقطّعت بها الملذات.. لأنه بالفعل - الموت- هادم الملذات..
ألا ما أقسى مفردة هدم، فكيف بوقعها!
لأنها نقيضة بناء..
أحايين توجع الإجابة على شلال أسئلة كهذه، لأنك لست ملاك
فبالتأكيد إلا بدر منك قصورًا مع هذا
أو ندّ عنك تصرف لا إرادي مع ذاك
.. إنما التعذير الذي يمدّ تقصيرك بمدد يسعف من أو يقلل من وخزه وإن كان قائمًا - لا بد من طرحه- وبالتأكيد ستتكئ عليه هو/
«سلامة النية»، وجلو الطوية من أي مرام تنازع النفس أطوار صفائها..
بالذات تلك التي صحبت خلل تصرفك الذي منك بدر
فضلاً عن خلوص ما تحمله إزاءه من محبّة خالصة من شوائب دنيا، وخالية مما يعكر صفوها..
قد لا تجد من الدواعي ما يحملك على إبدائها
ألا يُقال بنجد (الله لا يبين غلاك) لأن المشاعر ونحن بنا من جلافة الصحراء التي تحيطنا ما لا يجعلنا نُبدي/نعبّر/نُثري تلك القلوب التي حولنا بما يشفي غليلها أو أدناه تُقلل من ضماء، ولا أقول يروي فذاك أحايين بعيد شقّته..
حتى إذا حلّت المنون أتت تلكم مرة واحدة لتسكب تعابيرها مطرًا من (الدموع) غزير.. ليس لأن الراحل عزيز فقط!
بل وجه عريض من الندم فحواه/
أين تلكم التي أخبيها للفقيد يوم كان بيننا.. ولِمَ لم أبدها (أفشي) عن سريرتها..
فاكتفي بإفشاء ذاك هناك.. يوم تبلى السرائر!، فهل لهذه الحجة من قوّة أو ناصر..؟
تملي ليتك و.. أن عساه يتلقّها بعين من الرضا ولا يتلافى ما يكنّ مما يمكنه أن يبادلني تلكم..
لكن الأسى قائم لأننا كـ(البخلاء) فتمضي الدنيا ونحن نسوّف لتلكم المشاعر أن تأخذ حظّها في لقاءاتنا - على الأقل-
وبعقلنا الباطني نمنّي أن سيأتي ظرف نشرح به، بل ونبرّح.. بعد
فما أبعد ما نرجو/
نتاج ما لا نقم عوده كما يجب فنرى ظلّه
بل لكأن المنى في التواصل تتلاشى عهودها وتتسرّب من بين أصابعنا وليس بملكِنا فتطففها الظروف وتقلل من حظوظها أحوال أو قلّب أيام سريعة العدو قلّ ما تمنحنا فرصة الالتفات للوراء للنظر ماذا تركنا خلفنا، والأشدّ ثقلاً أننا لا نمايز جمالاً إلا نزرًا ما بين أيدينا.. حتى ينفرط عقده، أقصد ينجلي بلا إذننا، ولا استأذن يجعلنا نلتمس له عذرًا فنخفف ما (قد) نلوكه بمعتبة أو...
فلا يقيّضنا لذاك الذي قطعناه من عهد على أنفسنا أن لا نتريث أكثر مما توانينا فنبديه أو حتى نقارب تراقيه.. إلا والعمر تولّى أعزّه، وسبق إلى إبدائه منيّته..
وهنا تنسكب عبرات لطالما جمعتها وما خمنت لحظة أني أحجم عن بسطها إلى درجة أني (وكأني) انتظره يرحل لأحوقل على ما فرّطت في جنب ما يستحق تتبعًا إثر التسويف، حتى قضى صاحبي نحبه..
وما قضيت من إربي منه أو أتشبّع!
فلا أجدني إلا مردد والآهات تكاد تخنق/
معقول بعد الرفقة
والعمر العتيق
نوقع مثل الورق..
كل منّا ع طريق
هنا حقّ لك.. مع (ما تبديه بلا اختيارك): الندم
وهو مكمن ألمٍ لا يعيد رجوه عمر رحل
ومهما أفرطت في بثّه بعيد ذاكا فلا يعيد دولاب الأيام إلى محطة تلك لتقضي تفثك ممن ما كنت معهم في بحبوحة من الوئام أن تهذي من كل جماع عواطفك..
ورقيق مشاعرك كـ المبالغ تصطرخ /
يا سلوتي على غياب.. من موعدي (التالي) معه..الحشرُ!
فقط أنشر-المادة - لما عزّ علي التواني عن ذكر محامد من غابت فبرّحت (وليس عبّرت) إزاءها من صفية استخلصتها لها المهجة مقامًا هو في النفس عدد الأنفاس..
** **
- عبدالمحسن بن علي المطلق