تقديم المترجم: هذه المادة مترجمة بتصرّف عن الفصل الخامس من كتاب «الصحافة العربية» للبروفيسور ويليام رف، طبعة يناير 2004. السفير البروفيسور ويليام رف هو أستاذ زائر للدبلوماسية العامة في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس الأمريكية. وعمل دبلوماسياً للولايات المتحدة خلال 1964-1995، حيث أدى تسع مهام دبلوماسية في العالم العربي. حصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة كولومبيا الأمريكية. كما أنه عضو في مجلس أمناء الجامعة الأمريكية في بيروت. وتشكّل هذه المادة الفصل الثاني من كتاب «الصراع السياسي والتحيز للحضر في الصحافة الكويتية المعاصرة» الذي صدر مؤخراً من إعداد وترجمة وتعليق حمد العيسى، ومن تأليف الباحث النرويجي د. كتيل سلفيك وآخرين، وصدر في 648 صفحة عن منتدى المعارف في بيروت. وننشر هنا موجزاً لهذا الفصل بعد حذف الجداول التي لا تناسب النشر الصحافي. وينبغي قراءة هذه المادة في سياق تاريخ نشرها عام 2004:
ومنح مرسوم أميري، صدر عام 1988 خلال فترة حل غير دستوري لمجلس الأمة، الوزراء سلطة تقديرية لمقاضاة الصحافيين الذين ينشرون الوثائق التي لم ترفع عنها السرية (DECLASSIFIED) رسمياً، مقاضاةً جنائيةً. وتنص المادة الـ111 من قانون العقوبات الكويتي على الحكم بالسجن سنة واحدة لنشر الآراء التي تتضمن سخرية واحتقاراً أو طعناً في الدين. وتنص المادة الـ204 على الحكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات أو غرامة 3.000 دينار (10.000 دولار) لنشر أي شيء غير أخلاقي.
ولكي تُنشر صحيفة بالكويت، يجب الحصول على ترخيص من وزارة الإعلام. وقد تُلغى الرخصة إذا لم تصدر الصحيفة خلال ستة أشهر. وفي عام 1992، ألغت الحكومة الكويتية مراسيم عام 1986 التي فرضت الرقابة المسبقة. وبذلك، أصبحت الصحافة الكويتية تراقب نفسها وتخضع لإجراءات قانونية من الحكومة عندما تنتهك القانون. ففي عام 1993 على سبيل المثال، استخدمت الحكومة أحياناً القانون لمعاقبة الصحافة؛ ولكن مارست الصحافة بعض الاستقلال. وعلى سبيل المثال، أمر النائب العام في عام 1993 الصحافة بعدم نشر مواد عن فضائح الفساد المالي، ولكن الصحافة نشرت افتتاحيات ومقالات نددت بالحظر ولم تتم معاقبة منتهكي ذلك الحظر. كما انتقدت الصحافة الكويتية في عام 1993 كبار المسؤولين، بمن فيهم رئيس الوزراء ووزيرا الدفاع والداخلية، وجميعهم أعضاء في الأسرة الحاكمة، ولم تُعاقب أي صحيفة.
وتلعب المحاكم الكويتية، في كثير من الأحيان، دوراً مهما فيما يتعلق بالصحافة. ويشير الدستور إلى أن «القضاة لا يخضعون لأية سلطة». وعلى الرغم من أن من يعيّنهم هو الأمير، فإنهم في بعض الأحيان يلغون بعض العقوبات الأميرية، كما حدث عدة مرات في عام 1999، على سبيل المثال. (22)
أسباب تنوع الصحافة الكويتية وحريتها النسبية
ترى: ما أسباب تنوّع الصحافة الكويتية وحريتها النسبية؟
أولاً، جميع الصحف مملوكة ملكيّة خاصة لرجال أعمال نشيطين وطموحين، يستعملون الصحافة كوسيلة لجعل أصواتهم مسموعة ولزيادة قوتهم السياسية والاقتصادية؛ فصحيفة «الرأي العام» (الأصلية) كان ينشرها ويرأس تحريرها تاجر بارز كان يرأس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان قبل حله بشكل غير دستوري في عام 1976. كما أسس جريدتي «الأنباء» و«القبس» رجال أعمال مؤثرون لديهم روابط مع مختلف الأسر والقطاعات في المجتمع الكويتي، وتعود ملكية «الوطن» أيضاً إلى ثري كويتي، في حين أن «السياسة» أسسها صحافي شاب يملك علاقات ممتازة في الكويت وخارجها. إن جميع هؤلاء الناس لديهم مصلحة شخصية في نجاح صحفهم. ومن ثمّ، يتأثر اتجاه الصحيفة وأسلوبها بشخصياتهم.
ثانياً، يسمح النظام السياسي في البلاد بالتنافس السياسي. فعلى سبيل المثال، هناك برلمان منتخب؛ ولكنه «لا يعد» مؤسسة ديمقراطية تمثيلية كاملة، بالرغم من أنه يثير مناقشات ساخنة وانتقادات علنية كبيرة لسياسة الحكومة. ولا يوجد تمثيل قوي للتجار فقط في البرلمان؛ ولكن هناك تمثيل أيضاً لليساريين والنقابيين والقوميين العرب، وجميعهم يعبرون عن آرائهم في الصحافة. ولا تزال الحكومة الكويتية تملك سلطة هائلة؛ ولكن سلطتها بدأت «تضعف تدريجياً» مع مرور السنين، بسبب زيادة «قوة وجرأة» كل من البرلمان والصحافة. وحاولت الدولة وقف هذا الاتجاه في عام 1976، عبر حل البرلمان (*) بشكل غير دستوري وإصدار قانون أكثر صرامة للصحافة؛ ولكن الأمور عادت إلى مسارها السابق الذي يعكس تراجع سلطة الدولة أمام البرلمان والصحافة، عندما تمت استعادة الحياة الدستورية وانتخب البرلمان في عام 1981، حيث عاد ليصبح بؤرة رئيسة للمناقشات السياسية الصاخبة وليواصل نقد ومعارضة الحكومة.
ويتمثل العامل الثالث في الحساسية الحكومية لموقفها الدولي، كدولة ترغب بأن تصنف كديمقراطية وحرة؛ وهو الأمر الذي يب دو أنه يجعلها أكثر تسامحا مع الصحافة الحرة والمتنوعة.
وتعي حكومة الكويت تماما حقيقة أنها دولة صغيرة جدا ومحاطة بجيران أكبر وأكثر قوة منها، كما أن أكثر من نصف السكان المقيمين في البلاد هم غير كويتيين. ونتيجة لذلك، تبنت الحكومة سياسة حذرة للتعاون مع الجميع والتسامح مع جميع الحركات والتيارات السياسية المهمة في المنطقة تقريباً. ثم إن حقيقة أن كل صحيفة كويتية يعمل فيها غير كويتيين في مواقع مؤثرة (الصحافيون الكويتيون هم عادة أقلية) تعزز التسامح مع وجهات النظر المتنوعة والمختلفة. كما تحب كل من الحكومة والنواب أيضا الإشارة بفخر إلى حرية الصحافة وقوتها في الكويت.
وهكذا، فإن نظامي الصحافة في لبنان والكويت يملكان درجة من التنوع والحرية اللتين تميزانهما عن غيرهما من الأنظمة الصحفية الأخرى في العالم العربي؛ غير أن هناك اختلافات كبيرة بين هذين النظامين، فالصحافة اللبنانية تمارس (في الأوقات العادية) تنظيماً ذاتياً كبيراً وهي خالية نسبيا من سيطرة الحكومة، في حين تعمل الصحافة الكويتية ضمن حدود أكثر صرامة. وفي نهاية المطاف، فإن كلاهما يعكس تنوعاً سياسياً ودرجة من المناقشة المفتوحة في النظام السياسي نفسه؛ وهو ما يجعل تنوع الصحافة وحريتها ممكناً.
انتهى
** **
ترجمة وتعليق/ د. حمد العيسى - الدار البيضاء
hamad.aleisa@gmail.com