يقول نعوم تشومسكي في كتابه «السيطرة على الإعلام» تحت عنوان «الإنجازات الهائلة للبروبوجاندا»:- (المفهوم الأول للديمقراطية؛ يعتبر أن المجتمع الديمقراطي هو المجتمع الذي يملك فية العامة «الجمهور» الوسائل اللازمة للمشاركة الفعالة في إدرة شئونهم؛ وأن تكون وسائل الإعلام منفتحة وحرة. أما المفهوم الآخر؛ فهو أن يمنع العامة من إدارة شئونهم وكذا من إدارة وسائل الإعلام؛ التي يجب أن تبقى تحت السيطرة المتشددة!. وقد يكون هذا المفهوم مستهجناً وشاذاً؛ ولكن من المهم بمكان فهم أن هذا المفهوم هو السائد). إذن الفيلسوف الأمريكي الأول يصف الديمقراطية بالنفاق والسيطرة. وربما كان اعتقال جوليان أسانج مؤسس ويكيلكس بعد سبعة أعوام من تغييبه عن الشمس داخل سفارة، خير دليل على «الديمقراطية النفاقية»- إذا صح التعبير.
لقد صُنِعَتْ نُخَبْ معرفية في جميع البلدان للسيطرة على وعي «الجمهور»؛ ثم تكاتفت بأعجوبة كل تلك النخب تحت قيادة «مايسترو» واحد ضد الجمهور المسكين. ولكننا في مرحلة سقطت بها النخب الإعلامية والتعليمية والفكرية والمعرفية كلها، بعد أن أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لـ«الجمهور»، الاطلاع على الحقيقة وتمحيصها وفضحها والإبداع في السخرية منها. وأصبحت الصحف لا تساوي ثمن طباعتها؛ ولم يعد للنخب قيمة، بل لا تجد النخب مردوداً يسد رمقها. وإذا كانت «العامّة» قد فقدت الثقة بتلك النخب، وقررت فتح آفاق وعيها بنفسها، كيف ستتم السيطرة على الوعي إذن؟
لا سبيل للسيطرة على وعي الجماهير الهائجة إلا بـ«الوقاحة»؛ ومن الأجدر أن نسمي زمننا هذا «زمن الوقاحة». أما جوليان أسانج فهو فرد وحسب، وجد في الثورة التكنلوجية ضالته وعبر عن مكنوناته. ولكن ماذا لو خرج من تلك الجماهير مليون أسانج؟ وخمسة ملايين نعوم تشومسكي؟ وعشرة ملايين بدر شاكر السياب؟ وعشرين مليون أبو الطيب المتنبي؟ هل سيعتقلون شعوب العالم كلها؟
إذا كانت السيطرة ضرورية، فهي لا بد من أن تستند إلى منطق! وإذا كانت الخدعة «الديمقراطية» استندت في السابق إلى احتكار الحقيقة؛ وتسيير الوعي بواسطة النخبة؛ فما هو المنطق بـ «الوقاحة الديمقراطية»؟.
** **
- د. عادل العلي