علي بن سعيد القحطاني
جاءت رؤية المملكة 2030 معلنة انطلاق حقبة تاريخية جديدة في جميع نواحي الحياة، لترفع سقف الطموح في نفوس أبناء هذا الوطن، ليصبحوا قادرين على تقييم الوضع الحالي ومقارنته بما وصلت إليه البلدان المتقدّمة، ثم رسم الخطط والبرامج وطرح المبادرات التي تنهض بهذا الوطن، ليس نهضة عمرانية فقط؛ بل نهضة تشمل كافة المجالات، فاليوم لن نرضى إلا أن نكون في مصاف الدول المتقدّمة.
وهنا سأتطرق إلى التعليم، حيث له أنتمي، مما لا شك فيه أن ارتقاء الأمم والحضارات يقوم على تقدمها في مجال التعليم، الذي تبنى به الأوطان وتنهض بسواعد الأجيال.
في الأيام الأولى من تكليف معالي وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ شدّد على أهمية التركيز على اختبارات TIMSS وPIRLS ؛ لتحقيق عدد من الأهداف، ويأتي من أبرزها قياس الجودة في تعليم المواد المستهدفة في هذه الاختبارات، حيث يتضح ذلك جلياً من خلال تحليل نتائج هذه الاختبارات التي تعطي تقييمًا موضوعيًا وشموليًا يساعد في إجراء الإصلاحات التربوية اللازمة.
مما يؤكّد الرغبة الصادقة من وزارة التعليم في تحديد مكامن الخلل في نظامنا التعليمي، ثم العمل على إصلاحه وتطويره.
حيث قامت الوزارة مشكورة بعمل جبار قدمت من خلاله عددًا من البرامج والمبادرات التي تحقق أهداف برامج التحول الوطني، وأهداف رؤية المملكة 2030، وهي بلا شك تصب في مصلحة تطوير منظومة التعليم في بلادنا الغالية.
وفي هذه المقالة سأتحدث بالتحديد عن أهم محور في العملية التعليمية والتربوية وهو المعلم، فتطويره يسهم في اطلاعه على أحدث ما توصلت إليه الأنظمة التعليمية في الدول المتقدمة علميًا وتقنيًا.
من أجل ذلك، قدمت الوزارة - ممثلة في المركز الوطني للتطوير المهني التعليمي - برنامج التطوير النوعي للمعلمين (خبرات)؛ حيث يقوم بإرسال مجموعة كبيرة من المعلمين والمعلمات إلى جامعات ومدارس مميزة في دول متقدمة تعليمياً وصناعياً، يتمكن المعلم من خلاله من التعرّف على أحدث الأنظمة التعليمية، وكذلك معايشة الكثير من التجارب التعليمية والتربوية مدة تقارب عامًا كاملًا، كما بإمكانه حضور عدد من المؤتمرات العلمية وورش العمل في جميع مجالات التعليم. فنرى في هذا البرنامج السير في الطريق الصحيح، والرغبة الجادة في تطوير المعلمين والمعلمات.
ولكن ماذا عن برامج تطوير النمو المهني للمعلم التي تقدمها مراكز التدريب التربوي في إدارات التعليم داخل المملكة؟
سأقول جازماً إن أغلب هذه البرامج وورش التدريب لا تحقق أهدافها المرجوة منها، بل قد يكون لها أثر سلبي على دافعية المعلم للتطوير، سأصفها هنا بـ»عناوين رنانة ومحتوى وعرض لا يحقق آمال المتدرب». وأعلم بأن هذا الوصف لن يروق للكثيرين خصوصًا ممن يقوم عليها.
إن هذه البرامج تعتمد على أساليب عرض وإستراتيجيات لا تتناسب مع معلم أمضى سنوات في المجال التربوي، معلم التحق بها أملًا في التطوير والبحث عن كل ما هو جديد، لكنه يُصدم بأن ما يطرح لا يتجاوز في الغالب مجموعة من التعريفات والمصطلحات العلمية، والتذكير ببعض النظريات، إضافة إلى تطعيم كل هذا ببعض الألعاب الجماعية الهادفة لطرد الملل. يقصد المعلم هذه البرامج وهو يأمل أن يصل إلى حلول علمية وتطبيقية لمشكلات يواجهها في الميدان، فتكون الصدمة بالنسبة إليه أن ما يطرح يستطيع الوصول له بكل يسر وسهولة عبر هاتفه الذكي وخلال ثوان معدودة.
سأكتفي بما طرحته عن وصف المشكلة، والآن سأذكر الحلول والمقترحات التي تسهم في تطوير المعلم مهنياً. جميعنا يعلم بأن الهيئة التعليمية في الجامعات لا تتوقف عن تقديم الأبحاث العلمية في مختلف التخصصات، كما تناقش وتشرف على عدد من أوراق العمل والبحوث العلمية التي جعلت منسوبيها مواكبين لكل ما يستجد في مجال عملهم وتخصصهم، بينما المعلم في التعليم العام يفقد كل عام جزءًا مما تعلمه. ناهيك عن عدم اطلاعه على كل جديد في مجال تخصصه؛ وهذا ليس عيباً منه وحده، ولكن يرجع السبب إلى عدم وجود منصة أو جهة تشرف على أبحاثه أو تناقشه أو تنشر له، مما يجعل عمله غير معترف به حتى لنفسه.
فمقترحي أن تقوم مراكز التدريب بتكليف معلمين حصلوا على درجات علمية عالية بإقامة دورات متخصصة وعلمية على طريقة إعداد البحوث الإجرائية بحيث لا يتوقف دور المركز والمدرب هنا، بل يستمر في الإشراف على أبحاث المعلمين وتقييمها وتقديم كل الدعم للباحث؛ ليتمكّن من تقديم أبحاث علمية في مشكلات يشاهدها في ميدانه التربوي، كما يطلع خلال مراحل بحثه على الأبحاث والدراسات في هذا المجال وما قدم خلالها من توصيات.
ويأتي بعد ذلك دور الوزارة في توفير منصات وملتقيات ومؤتمرات يناقش المعلمين فيها أبحاثهم ويستعرضون ما توصلوا إليه من نتائج؛ فيكون المعلم في نهاية الأمر صاحب إنتاج علمي، وتزداد ثقته في قدرته على حل مشكلات الميدان التي تواجهه من خلال البحث العلمي، وبذلك يكون مطلعاً على آخر المستجدات في مجال بحثه.