د.خالد بن صالح المنيف
مِنَ الملاحَظِ أنَّ كَثيرًا مِنَ الحِواراتِ الحادَّةِ - خُصوصًا الزَّوْجِيَّةَ - تَنْتَهي بِنَهاياتٍ مُوجِعَةٍ، رُغْمَ أنَّها غالِبًا ما تَبْدَأُ سَلِسَةً، وَعِبارَةً عَنِ اخْتِلافٍ بَسيطٍ في وجْهاتِ النَّظَرِ، وَهِيَ في الجُمْلَةِ أمورٌ لا تَسْتَوْجِبُ الانْفِعالَ أو الخُروجَ عَنِ الطَّوْرِ، أو القَطِيعَةَ أوْ الاعْتِداءَ أوْ حَتّى الكَدَرَ!
لَكِنْ! ما الَّذي يَحْدُثُ في مِثْلِ هَذِهِ الحِواراتِ، وَالّذي يَغيبُ عَنِ الكثيرِ؟!
إنَّه ما يُسَمّى بِـ»نُقْطَةِ التَّصْعيِدِ»، وَالَّتي لا يَنْتَبِهُ لها الزَّوجانِ، أو المتحاوِرانِ!
فَماذا تَعْني «نُقْطَةُ التَّصْعيدِ»؟
هِيَ بِاخْتِصارٍ نُقْطَةٌ تَتَصاعَدُ فيها حِدَّةُ النِّقاشِ بِشَكْلٍ قَوِيٍّ جِدًّا! وَمَعَ الوَقْتِ يَبْدَأُ العَقْلُ العاطِفِيُّ تَوَلِّي زِمامَ الأُمورِ، وَالإشْكالِيَّةُ إنْ لَمْ يُنتبَهْ لِهَذِهِ النُّقْطَةِ مِنَ الطَّرَفَينِ، أوْ مِنْ أحَدِهِما؛ فَالنَّتائجُ كارِثِيَّةٌ، فَأُسَرٌ تَهَدَّمَتْ، وَأرْواحٌ أُزْهِقَتْ، وَصَداقاتٌ دُمِّرَتْ، كانَ بِالإمْكانِ السَّيْطَرَةُ عَلى المَشْهَدِ، فَقَطْ بِالوَعْيِ بِنُقْطَةِ التَّصْعيدِ!
ضَعْ نُقْطَةَ آخِرِ السَّطْرِ عِنْدَ اقْتِرابِ نُقْطَةِ التَّصْعيدِ، وَلا تَتَقَدَّمْ خُطْوَةً وَلا تَتَوَغَّلْ شِبْرًا وَقُلْ: حَسْبُنا مِنَ البَلاءِ ما نحنُ فيهِ! وَلَسْنَا بِحاجَةٍ لِلْمَزيدِ مِنَ المشاكِلِ وَالخِلافِ وَالصِّداماتِ!
وَالاحْتِكاكُ الَّذي يَبْدَأُ بِشَرارَةٍ سُرْعانَ ما يَلتَهِبُ لِيُصْبَحَ حَريقًا كَبيرًا، وَلَرُبَّما انْتَهى المطافُ بِهِ لِيَكونَ جَحيمًا حارِقًا!
وَمَنْ يَرْصُدُ نُقْطَةَ التَّصْعيدِ، وَيُحاوِلُ كَبْتَها؛ لاشَكَّ في أنَّهُ شَخْصٌ مُتَماسِكٌ وَلَدَيْهِ ثَباتٌ نَفْسِيٌّ، وَيَمْلِكُ حِكْمَةً وَفهْمًا وَيَحْسِبُ مَآلاتِ الأُمورِ، وَلا يَعيشُ أَسيرَ انْفِعالاتِهِ، هَمُّهُ فَقَطْ إشْباعُ اللَّحْظَةِ! فالوَعْيُ بِنُقْطَةِ التَّصْعيدِ دِلالَةٌ واضحةٌ عَلى ذَكاءٍ عاطفِيٍّ.
إنَّ المشْكِلاتِ إذا صُعِّدَتْ، فَغالِبًا أنَّنا سَنُبالِغُ في رَدَّةِ الفَعْلِ، وَالعُقَلاءُ يُدْرِكونَ أنَّ خَيْرَ طَريقَةٍ لمَنْع تَفاقُمِ الشَّرِّ يَكْمُنُ في امْتِناعِهِمْ عَنِ المشارَكَةِ في التَّصْعيدِ وَالانْتِباهِ إذا ما قامَ أحَدُهُمْ بِإشْعالِ نارٍ بِمُحاوَلةِ إطْفائِها؛ فَالحَريقُ في بِدايَتِها سَهْلُ السَّيْطَرَةِ عَلَيْها!
ودونك الآلِيَّةُ المجربة لِلسَّيْطَرَةِ عَلى نُقْطَةِ التَّصْعيدِ وَكَبْحِ جِماحِها:
1- اليَقظَةُ وَالانْتِباهُ لمشاعِرِكَ وَمَشاعِرِ مَنْ أمامَكَ.
2- أفْضَلُ ردَّة فِعْلٍ لِمُثيري المتاعِبِ هُوَ أحْيانًا بِتَجاهُلِ بَعْضِ كَلِماتِهِمْ؛ فَأكْثَرُ ما يُعَطِّلُ طَبْعَ الآخَرينَ المتَفَجِّرَ هُوَ التَّعامُلُ بِلا مُبالاةٍ كامِلَةٍ.
3- خَفِّضْ مِنْ مُسْتَوى الصَّوْتِ، فَحِدَّةُ الصَّوْتِ لا شَكَّ سَبَبٌ في تَصْعيدِ الأُمورِ.
4- أوْجِدْ قاسَمًا مُشْتَرَكًا بَيْنَكُما، وَأَشِرْ إلَيْهِ بِقَوْلِكَ: أتَّفِقُ مَعَكَ تمامًا.
5- انْتَبِهْ لملامِحِ وَجْهِكَ؛ فالابْتِسامَةُ كَفيلَةٌ بِتَخْفيفِ حِدَّةِ أيِّ نِزاعٍ.
6- خاطِبْ مُحاوِرَك بِكَلِماتٍ مَن قَبيلِ (يا حَبيبي، يا صَديقي، يا عَزيزي).
كُلُّ هَذِهِ الخُطُواتِ كَفيلَةٌ بِنَزْعِ الفَتيلِ وَالسَّيْطَرَةِ عَلى المشاهِدِ، وَثِقْ أنَّ العَظَمَةَ وَالبُطولَةَ لَيْسَتْ لِمَنْ يُطْلِقُ لِنَفْسِهِ العنانَ في أنْ يَنْفَعِلَ وَيَثورَ وَيُشْعِلَ الحَرائقَ، بَلْ إنَّها لمَنْ يَعي بِالحالِ ويُمْسِكُ بِزِمامِ الأُمورِ؛ فَكُنْ دائمًا هَذا الشَّخْصَ!