منصور ماجد الذيابي
رغم كل المبررات السياسية لوجودهما عسكريًا في المنطقة، فإن ما نراه اليوم ليس إلا تنافسًا محتدمًا بين إيران وتركيا لتحقيق مكاسب جيوسياسية تسمح لهما بالتمدد في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الجغرافية والثروات الطبيعية. ولا يخفى اليوم على الحكومات والشعوب أن إيران تسعى إلى بسط نفوذها فارسيًا منذ الإطاحة بشاه إيران عام 1979 وذلك بتصدير الثورة الإيرانية في إطار العمل الميليشياوي المسلح الذي يطلق الشعارات العاطفية ويمهد الطريق لأجل استخدام قوة الردع الإيرانية ضد الدول المنافسة لها من المعسكر الغربي وهما أمريكا وإسرائيل.
كما لا يخفى على الكثيرين أنه ومنذ نشأة محور المقاومة والممانعة الذي يضم في عضويته كل من إيران وسوريا وحزب الله اللبناني، كانت إيران ولا تزال تستغل هذا المحور لفرض سياستها وثقافتها في المنطقة من خلال إطلاق مجموعة من الشعارات مثل «الممانعة والمقاومة»، وشعارات أخرى مثل «حزب الله الحامي لديار المسلمين»، وشعار «الموت لأمريكا» وغير ذلك من الشعارات التي يرددها نيابة عنها ميليشيات وفصائل وفيالق ومرتزقة وخونة ووكلاء. ولقد تبين خلال هذه الحقبة التاريخية زيف تلك الشعارات وانفضاح محور الممانعة أمام وعي الشعوب العربية وإدراكها لحقائق الأمور.
ومما يؤكد زيف وكذب هذه الشعارات هو أن محور المقاومة الذي يزعم ويتغنّى بوقوفه إلى جانب فلسطين ضد الكيان الإسرائيلي الغاصب، لم يبادر منذ نشأته وحتى اليوم بأي تحرك عسكري تجاه الحدود الإسرائيلية رغم امتلاكه القوة. بل إنه لم يدافع حتى عن نفسه عندما أطلقت المقاتلات الحربية الإسرائيلية القذائف الصاروخية على المستودعات والمعسكرات والقواعد العسكرية الإيرانية داخل الأراضي السورية. كما لم يتجرأ هذا المحور على إطلاق رصاصة واحدة باتجاه العدو الإسرائيلي. ولذلك نتساءل ونقول: (ممانعة ومقاومة ضد من؟، ولصالح من؟)
ولكي يبقى هذا المحور على قيد الحياة مؤقتًا على الأقل، يظهر الوكيل اللبناني المدعو حسن نصر الله على شاشات التلفزة بين الفينة والأخرى ليحقن متابعيه ومناصريه بجرعة مهدئة من شعارات النصر والمقاومة والعزة والكرامة. فأي نصر هذا!، وأي عزة وكرامة وسيادة وهو القائد التابع المتابع لتعليمات نظام الملالي في إيران، والمصرح ببيانات الملاهي في لبنان حيث يلهو الناس ويطربون للشعارات الفضفاضة والمصطلحات الخشبية!
وكلّنا يتذكر مقولته الشهيرة في حرب الثاني عشر من تموز عام 2006 عندما قال ابن الضاحية الشرقية بعد انتهاء الحرب: «لو كنت أعلم أن إسرائيل سوف تدك بيروت والجنوب اللبناني بالقنابل والصواريخ لما أصدرت أوامري باعتقال الجنديين الإسرائيليين» مع بدء عملية الوعد الصادق التي شنّها حزب المقاومة والممانعة في الجنوب اللبناني على الحدود مع إسرائيل. فهل تدخلت إيران وسوريا آنذاك لصد الهجوم الإسرائيلي على لبنان باعتبار أنهما الضلعان القويّان في مثلث ما يسمى كذبًا محور المقاومة؟، وهل صدق شعار الحزب «هيهات منّا الذلة» الذي ما فتئت تردده عناصر الحزب في كل مرة يجتمع فيها حسن نصر الله بأنصاره؟، وهل كانت عملية الوعد الصادق صادقة في الصمود أمام العدو، أم أنها تلقت ضربات موجعة وانسحبت تحت وابل القذائف الإسرائيلية؟
في الوقت الذي أعلن فيه حزب الله بدء عملياته العسكرية ضد الجيش الإسرائيلي بعد فشل المفاوضات الرامية إلى إطلاق عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار ورفاقه من المعتقلات الإسرائيلية، قرر الحزب إطلاق اسم عملية «الوعد الصادق» لنشر الوهم إعلاميًا ودغدغة مشاعر الشعوب العربية لكسب تعاطفها بما يتماهى مع توجهات الحزب ومبادئه ووعوده بالانتصار في المعركة. كانت هذه العملية بمنزلة شرارة الحرب التي أطلقها حزب الله بقصفه دبابتين للجيش الإسرائيلي، أدت إلى مقتل ثمانية جنود من طاقمها وأسر جنديين آخرين. وفي اليوم التالي مباشرة شن الجيش الإسرائيلي هجومًا جويًا كاسحًا على جنوب لبنان مستهدفًا محطات الكهرباء ومطار بيروت وشبكة من الجسور والطرق ما أسفر عن مقتل العشرات وتدمير البنى التحتية. وإضافة إلى انضمام قوات بحرية إسرائيلية للوصول إلى نهر الليطاني، تم كذلك استدعاء فرقة الاحتياط الإسرائيلية المؤلفة من 6000 جندي لنشرها سريعًا شمال إسرائيل تحت غطاء إعادة الأسيرين إلى إسرائيل. وقد سميت العملية الإسرائيلية حينها بعملية «الثواب العادل». وهي العملية التي كشفت مدى هشاشة المحور وزيف شعاراته.
من خلال هذه المعطيات التاريخية ومن خلال الوجود الإيراني اليوم في سوريا ولبنان واليمن والعراق، فإنه يحق لنا أن نتساءل عما إذا كانت توجهات محور المقاومة والممانعة ضد الكيان الصهيوني أم ضد الكيان العربي؟، وكيف لدولة تزعم أنها تقود محور المقاومة بينما تتحالف هذه الدولة المارقة من تحت الطاولة مع نظام شيوعي لايزال يتبنى سياسات ستالين ولينين اللذين كانا يطمعان بالوصول إلى المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط، ثم يتحقق حلمهما اليوم في سوريا على يد محور المقاومة والممانعة ذاته؟
نعلم كذلك وكما ذكرت في مقال سابق بعنوان « الاستثمار الأجنبي في مناطق التوتر والصراع» أن تركيا تحاول أيضًا أن تتمدد وتتوسع عسكريًا من خلال إيجاد قواعد لها في المناطق الملتهبة كما في سوريا وقطر والعراق والسودان. فهذه الدولة لا تألو جهدًا في البحث عن التحالفات العسكرية حتى لو تحالفت مع الشيطان الرجيم في سبيل الوصول إلى المياه الدافئة في الخليج العربي. واليوم نرى أن حلم الدولة التركية التي تتبنى كذلك وتستلهم سياسات الدولة العثمانية التوسعية قد تحقق في قطر التي أتاحت للمستعمر القديم العودة مجددًا عبر البوابة القطرية ليستقر على أرضها، وينتهك سيادتها، ويذل شعبها، ويمشط بدباباته السيادة والجغرافيا القطرية مقابل حماية نظام الحمدين من غضب الشارع والمعارضة.
ومثلما تحقق في قطر، كان قد تحقق سابقًا في سوريا حيث توجد القوات التركية في المناطق السورية بذريعة ملاحقة أكراد سوريا الذين تزعم تركيا دائمًا بأنهم يشكلون خطرًا على أمن الدولة التركية.
وما إن أدركت القيادة السعودية الحكيمة خطر هذا المحور على أمن المنطقة العربية لا سيما بعد زحفه جنوبًا نحو اليمن السعيد حتى سارعت المملكة العربية السعودية بتشكيل تحالف عربي قوي أدى إلى إحباط المخطط الإيراني ووأد الرضيع الحوثي قبل أن يشتد ساعده فيصبح حزب شيطان جديد في جنوب الجزيرة العربية.