د. محمد بن إبراهيم الملحم
كما ذكرتُ -سابقاً-، العطلة الصيفية مقبلة ولا بد من استثمارها لربط الطالب بمدرسته بطريقة غير رسمية محببة للنفس، وكذلك ربط المجتمع بالمدرسة من خلال ملاعبها التي يمكن أن تتيح للجميع الاستمتاع باللعب وممارسة الرياضة، وفي نفس السياق أعتقد أن أجدر من ينبغي ربطهم بالمدرسة أيضاً (بطريقة غير رسمية) هم المعلمون، وفي ذلك بُعد سيكولوجي مهم للتخلص من ظاهرة الاستياء من مكان العمل، حيث يتحول إلى مكان اجتماعي محبب للنفس.
وأظن أن ما يمكن عمله هنا لا يختلف كثيراً عما يقدم للطلاب بحيث يتم إطلاق نوادٍ صيفية للمعلمين فقط، حيث يمارسون فيها الأنشطة الرياضية واللقاءات الثقافية والعلمية، وتقام فيها البرامج التدريبية والعمل المسرحي والنشاط الاجتماعي كالرحلات المشتركة والنزهات أو الطلعات القريبة، وربما حملات التطوع وما إلى ذلك من كثير من الأنشطة التي سيبدع فيها المعلمون، ولا يتطلب ذلك أن ترصد له الميزانيات الكبيرة ولا أن توضع له الخطط «الوزارية» فمثل هذه الخطط تجعله نادياً صيفياً رسمياً بدون إقبال، بل يعطى المعلمون الفرصة ليقوموا بالدور بأنفسهم، وفي تقديري أنهم سينظمون العمل ويخططون له ويحددون ميزانيات الأنشطة بحيث يتحقق بعضها من خلال المتوافر من الموارد ضمن المدرسة ، وبعضها (وغالباً هو الأكثر) يتحقق من اشتراكاتهم (القطيّة) يحتاج الأمر ليأخذ الطابع المقبول في العرف الإداري مديراً للمركز مكلفاً من الجهة الرسمية يتولى التأكد من سلامة الأنشطة المطروحة وملاءمتها لسياق ما تقوم به المؤسسة التربوية وعدم خروجه عن المتطلبات الأساسية في مثل هذه الأمور ومعه مساعد أو اثنان لرعاية العمل ومتابعته، بينما فريق العمل يكون من المستفيدين أنفسهم؛ إذ يتم تكوين الفريق القيادي للأنشطة بالترشيح بين مشتركي النادي عموماً، وهؤلاء غالباً يعرفون بعضهم البعض فمثل هذا النادي تتوقع أن يكون في مدرسة كبيرة مهيأة تخدم حياً كبيراً ويحيط به أحياء فيأتي المعلمون المشاركون من مدارس هذه الأحياء المتجاورة، وبالتالي فهم متعارفون غالباً، ويمثل النادي لهم فرصة ومكاناً للالتقاء بعدد كبير وفرص استمتاع وتعلم أكبر وأشمل، والمقترح ينطبق على المعلمين والمعلمات بنفس المبدأ تقريباً.
تستطيع الجهة الرسمية أن تشارك بقيمة مضافة لهذه النوادي، وبالتالي تشجع على الانتماء إليها أكثر من خلال البرامج التدريبية التي يمكن أن تقدمها بواسطة التدريب عن بُعد، حيث تستضيف مدربين معروفين ومميزين في مجالات التنمية الذاتية، وهو مجال مرغوب من أغلب الناس، وتقدم هذه الدورات عن بُعد في هذه المراكز بواسطة شاشات كبيرة تضعها وتشرف عليها، كما تمنح شهادات حضور، ولك أن تتصور أن الوزارة تبث مثلاً دورة عن الاتصال الإنساني الفعال أو إدارة الوقت بفاعلية أو العادات السبع على مدى خمسة أيام ولعدد ضخم من النوادي عبر المملكة بواسطة قنواتها للبث المباشر، التكلفة هنا موزعة على جميع هذه النوادي، ولكن الفائدة التي يجنيها عدد ضخم من المتدربين، بالإضافة إلى جذب المعلمين إلى فكرة النادي ستكون عالية جداً.
والحديث عن تدريب المعلم ذو شجون، فالمعلمون لا يحرصون على حضور دورات التدريب في إدارات التعليم أثناء العام الدراسي لأسباب؛ منها أنهم لا يريدون التغيب عن دروسهم فتتراكم عليهم أو أنهم لا يجدون خبرة جديدة في زملائهم المدربين الذين هم كانوا معلمين مثلهم قبيل سنوات معدودة (وزامر الحي لا يطرب)، ولكن يمكن أن يستجيبوا للتدريب أثناء العطلة الصيفية (وليس كلهم طبعاً وإنما الجادون منهم) إذا سعت الجهة التعليمية في توفير مدربين متميزين لهم من خارج منطقتهم، خاصة أولئك المعلمين الذين حازوا جوائز أو المدربين في مناطق أخرى، والذين تميزت برامجهم التدريبية بنجاح منقطع النظير، وأعتقد أن هذه نخب تربوية ينبغي تكريمها بندبهم للسفر إلى مناطق أخرى وتقديم برامج تدريبية ومكافأتهم على ذلك، الأمر الذي يحقق مصلحتين معاً: مكافأة هؤلاء وتشجيع الإبداع التربوي وتحفيز المعلمين الآخرين الذين ما عادوا يجدون في التدريب بمنطقتهم جديداً عليهم ليلهمهم هؤلاء المبدعون الذين أتوا من مناطق أخرى بتجارب جديدة وبروح مختلفة.
هل ستكون هذه النوادي الصيفية للمعلمين كما وصفتها فقط؟ أعتقد جازماً لا، فهذه بذرة فقط، ولكن هناك كثيراً من الأفكار الجميلة سيأتي بها المعلمون فلنعطهم الفرصة ولنبدأ بنوادي المعلمين الصيفية لنرى النتائج المبهرة.