د. أحمد الفراج
تدور هذه الأيام حرب مستعرة، بين النائبة الهان عمر، وبين معظم أطياف الشعب الأمريكي، وليس اليمين الجمهوري فقط، فهذه الشابة، استطاعت أن تحول حياتها جذريا، من لاجئة معدومة، إلى مواطنة أمريكية، ثم استغلت ذكاءها ومهارتها في أرض الفرص، مع كاريزما جاذبة لا تخطئها العين، فاستطاعت أن تفوز بمقعد في مجلس النواب لولاية مينسوتا في وسط الشرق الأمريكي، ولم تكتف بذلك، إذ فازت بمقعد في مجلس النواب الفيدرالي، ممثلة لذات الولاية،حيث صخب واشنطن والبيت الأبيض ومبنى الكابيتول، وحيث تدار شؤون العالم وشجونه، وهذا إنجاز يحلم به كل الطامحين في المعترك السياسي، ولأنها طموحة ومغامرة، فقد ركبت الأمواج دون أن تتلقى التدريب الكافي، ومن يفعل ذلك، يكون عرضة للغرق في أي لحظة.
في أمريكا، لا يمكن أن يشق السياسي طريقه إلا بالدعم المالي والإعلامي، فهي ليست ديمقراطية نقية، كما يتوهم المثاليون والحالمون، وبالتالي فإنه لا بد من مساعدة صديق، والصديق هنا هو اللوبيات المتنفذة، وهي عالم قائم بذاته، ومن يقع في حبائل أي لوبي، يكون مدينا له، ويبدو أن الهان عمر وجدت مساعدة كبيرة من اللوبيات التي تعمل لصالح إيران وقطر وتنظيم الإخوان الدولي، فأصبحت مدينة لهذه اللوبيات، وجاء انتخابها في أوج الخلاف السياسي، بين المملكة وإيران وقطر، فانقادت تهاجم المملكة وتهاجم إدارة ترمب بشراسة وبلا وعي، وبطريقة مفضوحة وغير متزنة، وكان واضحا أن هناك من يدفعها بقوة في هذا الاتجاه، ولم أكن أتوقع أن تكون بهذه السذاجة، خصوصا وأنها في بداية حياتها السياسية، وطُرُق واشنطن مليئة بالأشواك، ولكنها استمرأت هذا الخط.
في عالم السياسة، هناك وقت للتصريح، وهناك وقت للتلميح، وهناك وقت للتأمل والصمت، وكم من كلمة قالت لصاحبها دعني، فكل خطوة محسوبة، وكل كلمة لها ثمن، وبعض الأثمان غالية، فالرئيس بيل كلينتون، قال بعد خسارة زوجته هيلاري من باراك أوباما في ولاية جنوب كارولينا، في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لانتخابات عام 2008: «إن هذه الخسارة لا تعني شيئا، فقد سبق أن فاز جيسي جاكسون بهذه الولاية»، ولم يعلم بيل كلينتون أن الإعلام سيشرّق ويغرّب بهذا التصريح القصير، الذي جاء في لحظة غضب، ويعتبره عنصريا، لا يليق بمن تسنم رئاسة أمريكا، فالناشط جيسي جاكسون هو أحد رموز الحراك المدني للسود، وبدا الأمر وكأن كلينتون يقول: «إذا فاز أوباما بهذه الولاية، فقد فاز بها سياسي أسود قبل ذلك»، أي أنها ولاية لا تعرف لمن تصوت وتختار، ولم يكن هذا قصد كلينتون، وهو بالفعل ليس عنصريا، ولكن كلمات الساسة محسوبة، ويتلاعب بها الإعلام كيفما يشاء، وسيتواصل الحديث.