عبد الاله بن سعود السعدون
تعرضت الأجواء العراقية لمجموعة أخبارية متضاربة المعنى والاتجاهات إثر إعلان الإدارة الأمريكية بإرهابية الحرس الثوري الإيراني وتحركت الماكينة الإعلامية المصنعة في دهاليز اطلاعات الاستخباراتية لتشن حملة مضادة للقرار وكأن المستهدف ليس جهازاً تخريبياً إيرانياً بل أصبح لهؤلاء الإعلاميين المأجورين في الفضاء البغدادي أقرب من فصائل الجيش العراقي وأكثر المحللين لسانهم ينطق العربية وولاؤه متجها لطهران وقم وجاء رد الفعل السريع من رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس مستنكراً وصف الحرس الثوري بالإرهاب وقال إن الحرس الثوري الإيراني وقف صفاً واحداً مع الشعب العراقي وفصائله المسلحة لمحاربة داعش الإرهابية وطرد فصائلها من العراق وإن أمريكا ستلقى الجواب الحاسم لتصرفها العدواني هذا وبعد المهندس انطلق كل الساسة والإعلاميين للدفاع عن الحرس الثوري وتمجد بمواقفه البطولية لمناصرة الشعب العراقي الصابر وهذه المجموعة الموالية للنظام الإيراني وأصفهم وبلغة دبلوماسية راقية بأنهم (أصدقاء إيران) يهيمنون على القرار السياسي العراقي وبيدهم خيوط اللعبة السياسية يحركونها لمصلحة إيران ويمثلون ركائز الدولة العميقة داخل العراق والتي تثبت البوصلة السياسية نحو الجارة إيران باتجاه البوابة الشرقية للخارطة العراقية وتسعى جاهدة وبكل خلاياها الخفية للتشكيك بكل تقارب عربي مع العراق. وقد صاحب القرار الأمريكي بتصنيف الحرس الثوري بالإرهاب وفرض عقوبات أمريكية جديدة على النظام الإيراني حراك غير اعتيادي بين صفوف الحشد الشعبي العراقي بالداخل والذي يدين بالولاء التام لولاية الفقيه مع زيارات مكوكية مصادرها طهران وبيروت للمرجع الديني السيد علي السيستاني وكان آخرها اللقاء الانفرادي للرئيس نبيه بري بالسيد السيستاني والذي دار الحوار الثنائي الهام حول مستقبل الحشد الشعبي بعد تأييده للحرس الثوري الإيراني وتهديد مليشياته للوجود العسكري الأمريكي في العراق.. وكثر الهمس في الأروقة السياسية في المنطقة الخضراء حول طلب أمريكي للعراق بضرورة حل الحشد الشعبي النسخة العراقية للحرس الثوري الإيراني وسحب ألويته التي اتخذت من المدن السنية مراكز لها وأصبح ضررها أكثر من نفعها على أهالي المنطقة الغربية ذات الأكثرية السنية والتي تتحسس من طائفية بعض المليشيات المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي والتي تنكل بأبناء الموصل والأنبار وصلاح الدين. ولتحقيالأمن السلمي في هذه المحافظات أصبح سحب هذه المليشيات ضرورة ملحة.. وإقليمياً فإن منطقة الشرق الأوسط تعيش فوق صفيح ساخن إثر انحسار عصابات «داعش» الإرهابية عن أرض العراق العربية والذي ينذر بتطورات سريعة متلاحقة «قد» تؤثر وبشدة على منطقتنا العربية وعلاقاتها الإقليمية والدولية، والأهم من ذلك نحو مستقبل الجغرافيا السياسية لأكثر من منطقة مشتعلة ومتحركة ابتداء من التطورات الجديدة في مستقبل شعب العراق الصابر الذي يحاول جاهدًا التخلص من السيطرة الدكتاتورية لعملاء إيران فيما يسمى بشركاء العملية السياسية! وتأتي المتغيرات الإقليمية والدولية مؤشرة وبقوة على التحول الجديد الذي سيطرأ على الوضع المستقبلي للحياة السياسية للشعب العراقي من تغيرات إنقاذية إيجابية قد تكون الموضوع الرئيسي في أجندة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في جولاته الإقليمية من أجل إحياء السياسة المتوازنة للعراق إقليمياً ودولياً وقد جاء الرد العربي السعودي سريعاً لدعم اقتصاديات العراق المعطلة بوفد رسمي وأهلي عالي المستوى ترأسه الدكتور ماجد عبدالله القصبي وزير التجارة والاستثمار وشاركه عدد من الوزراء ورجال الأعمال وكانت النتائج الإيجابية باهرة بتجهيز العديد من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية بين البلدين الشقيقين وتم تقديم مليار دولار لإنعاش الحركة الاقتصادية وتهيئة أكثر من مائة وستة وثمانون مشروع استثماري مشترك يمول بسقف مالي يصل لعشرة مليار دولار وفتح المنافذ التجارية لتسيير التجارة التبادلية بين البلدين الشقيقين وتحديد مراحل إنشاء المدينة الرياضية هدية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- للشباب الرياضي العراقي والتي أطلقت عليها الجهات الرياضية العراقية مسمى مدينة الملك سلمان الرياضية ومع كل خطوة تقارب عربي نحو شعب العراق تلاقي وبعنف التشكيك والرفض المصحوب بالقلق من قبل القوى المتسلطة على الحكم في بغداد، وذلك بتوجيه حملات إعلامية مضادة لهذا الحراك المبارك بين الجارتين الشقيقتين العراق والمملكة العربية السعودية وأن التعاون المشترك كان إيجابياً ومتوازياً مع مطالب وآمال الشعب العراقي الجريح!
وعلاقة هذا الحراك السياسي موفقة لدول الجوار العربي وبالذات زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي للرياض وما رافقها من حوارات إيجابية حول العديد من الملفات السياسية المؤثرة في المسرح السياسي العراقي مصحوباً بتفاؤل شعبي واسع على كل الجغرافيا الوطنية العراقية بغد جديد يحمل معه تفكك سلاسل القيد الإيراني على سواعد الوطن العراقي وعودته إلى بيته العربي الواسع والمرحب باحتضانه بالعمل الجاد بتضميد جراحه وإعادة إعمار ما تخرب وتهدم من بنائه ومؤسساته الاقتصادية نتيجة الحروب المشتعلة في وسطه وشماله لتأهيله للعودة القوية لعائلته العربية موحدًا مستقل القرار السياسي وبتخطيط استراتيجي لسياساته الخارجية والاقتصادية ومتوازن في علاقاته مع جواره الجغرافي بحسب قاعدة مصلحة الشعب العراقي أولاً مع السعي لكسب صداقة ودعم الجميع على ركيزة الثقة والاحترام المتبادل، وأن لهذه الأحداث المتتالية إقليميًا ودوليًا انعكاسات عميقة على المستقبل السياسي للشعب العربي في العراق الذي يعيش حاليًا كابوسًا مخيفًا من التوجيه الإعلامي الكاذب من الأبواق المعادية لوجوده العربي والتي تصور أن العلاقات العربية نحو العراق تتجه في اتجاه بوصلة واحدة نحو الطائفية وأن العرب لا يؤيدون إلا أبناء الطائفة السنية ويعملون جاهدين لسلب السلطة من أبناء الطائفة الشيعية صاحبة الأكثرية العددية وتسليمها للسنة العرب، كما تحلو لهم هذه التسمية الطائفية. وجاء التطمين العربي على لسان الوفود العربية التي زارت بغداد بأن المملكة العربية السعودية وشقيقاتها دول الخليج العربي تقف على مسافة واحدة مع النسيج المتعدد للمجتمع العراقي من دون تمييز مذهبي أو عرقي وبمستوى واحد. هذا التوجه الصادق من أشقاء الجوار العراقي كشف كذب الشكوك والدعاية الكاذبة المغرضة والحاقدة على الوجود العربي في العراق. وهذه المجموعة من المنبوذين من قبل القوى الوطنية العراقية لخيانتهم لأمانة المال العام وارتباطهم مصيريًا بالنظام الإيراني الحاقد على شعب العراق العربي، والتي تحاول جاهدة بواسطة عملائها داخل الحكومة أو ممن يسيطرون على السياسة الأمنية الداخلية والتي توجه الشعب العربي في العراق نحو الصفوية الإيرانية ومحاولة جره نحوها وإبعاده عن محيطه العربي وخلق جو ضبابي في العلاقة نحو أمته العربية. وللأسف نجحت طهران في السيطرة على مفاتيح الحكم في المنطقة الخضراء مستخدمة عملاءها كآليات فعاة شاركت في التخطيط والتنفيذ لها مع كل المراحل بعناية ودهاء فارسي. وظهرت الأحزاب المذهبية الطائفية ومعها مليشيات مسلحة تؤمن بالتبعية الإيرانية وبقيادة ملالي قم. وثاني آلياتها جيش مدرب من عملاء اطلاعات ومعهم فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني، والذي زامل في انتشاره القوات الأنجلو - أمريكية الغازية للوطن العراقي، وكانت الرديف الداخلي لقواته العسكرية وحين تنفيذ الانسحاب الأمريكي سلم الراية لهذه القوى الإيرانية الصفوية بشكلها العراقي داخل السلطة الحالية المتربصة على الأسوار العالية للمنطقة الخضراء ومن مكانها هذا تسيّر القرار السياسي العراقي.
ومن البديهي أن هذه القوى المعادية تعارض وترفض أي تقارب عربي مع شعب العراق الصابر، فطهران هي مسقط رأس كل المنظمات الطائفية وتدربت على أسس مذهبية ولائية للملالي طيلة وجودها في منفاها المختار بلاد فارس لأكثر من ثلاثة عقود ومعه تشربت عقولهم قبل دمائهم بالولاء المطلق لمؤسسة الولي الفقيه وجعل المصالح الإيرانية في الصف الأمامي لكل أهدافهم واعتبار العراق وشعبه الحديقة الخلفية لنظام الملالي الطائفي. ومن جهة أخرى يعيش أبناء العراق بكل جذوره الاجتماعية ظروفًا قاسية وخانقة تعرض حاضره للخطر ومستقبله العربي للضياع وهو مسلوب الإرادة لا يستطيع التأثير المباشر في مجريات حياته السياسية والتي تسيّرها قوى تعتمد الطائفية المذهبية في علاقاتها مع منافسيها مستخدمة أبشع الوسائل في التصفية السياسية في إسقاط معارضيها وبتخطيط إيراني أصبح واضحًا وضوح الشمس لأبناء الشعب العراقي المنتظر الفرج من الله سبحانه.
المرحلة الحاضرة مناسبة جدًا لأيّ حراك عربي إيجابي نحو الشعب العراقي الصابر ودعم وحدته الوطنية وعلاقته الأخوية مع عالمه العربي وحماية مستقبله من الأطماع الإيرانية الذي يحاول إغراق العراق في أمواج صراعاته الإقليمية والدولية. ولا بد من مدّ جسور أخوية إعلامية وسياسية جديدة توجه مباشرة لخير «كل» أبناء الشعب العربي العراقي وتشكل الزيارات الرسمية وبمستوى رسمي عال تحقق النتائج الإيجابية المثمرة وتحمل إليه التطمينات المؤكدة لدعم مستقبله حاضرًا ولضمان عروبة الأجيال القادمة القلقة على عروبتها والمتخوفة من نتائج المد الصفوي الإيراني على حاضرهم ومستقبلهم وتأكيدًا للاهتمام العربي بالأشقاء أبناء العراق ودحض الأكاذيب الإيرانية الهادفة إلى إبعاد شعب العراق عن محيطه العربي، وتأثيرها على الأمن القومي العربي سلبًا والذي يشكل في الإستراتيجية الإيرانية عمودها الفقري وتستغل شعب العراق الصابر كرأس حربة لحراكها العدواني وتحويل ترابه الوطني لساحة صراع خطرة إقليميًا ودوليًا.
المتغيرات الدولية والتوجه العربي الشجاع سيفرض واقعًا جديدًا (قريبًا) في عراقنا العربي فحصان الاقتصاد العربي سيجر عربة السياسة العراقية إلى خير وسلام كل الشعب العراقي الشقيق.