د. فوزية البكر
يبدو الحصول على رخصة قيادة أمراً بديهيًا بالنسبة للذكور، وهو يقع تحت ما يسميه المفكر المغربي الكبير محمد أركون ضمن (اللا مفكر فيه)، حيث إنه مسلمة تأتي ضمن حزمة مزايا تقدمها المجتمعات عادة لمواطنيها عند بلوغهم سنًا معينة، وبقيت حكرًا على الذكور في سعوديتنا حتى فكك أميرنا الشاب (غرائبيته وأنزله للعالم الواقعي دون خصوصية) مقلقلة.
تؤكد وثيقة برنامج جودة الحياة التي أطلقتها رؤية المملكة 2030 في منطلقاتها الرئيسة على أن أحد الأهداف الرئيسة للوثيقة هو تحسين جودة حياة الفرد السعودي والمقيم، من خلال أسلوب حياة متوازنة ببيئة داعمة معززة للهويات والأنشطة الاقتصادية والرياضية والترفيهية، واحتل النقل والتعليم والصحة والوظيفة ثم الترفيه أعلى الاعتبارات المحققة لجودة الحياة في كل المؤشرات الستة التي اعتمدها البرنامج للمقارنة، مثل مؤشر السعادة العالمي للعام 2017 والذي يصنف 155 دولة وفقاً لمستويات السعادة، ومؤشر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لجودة الحياة وغيرها، والتي قامت الوثيقة من خلال مراجعتها باستخلاص مفهومين مرتبطين بشكل مباشر بجودة الحياة، وهما:
- قابلية العيش: بتهيئة ظروف العيش من أجل حياة مرضية، والذي يقع تحته عدد من الجوانب مثل البنية التحتية والإسكان والتصميم الحضري والبيئة والرعاية الصحية والفرص الاقتصادية والتعليمية والأمن والبيئة الاجتماعية.
- نمط الحياة: بتوفير خيارات للناس لتكون لديهم حياة ممتعة ورغيدة. ويضم: الترفيه والثقافة والفنون والرياضة والترويح والمشاركة الاجتماعية.
إذن هناك رؤية واضحة جدًا للدولة تؤكد ضرورة توافر الاحتياجات الأساسية للمواطنة والمقيمة، وأبسطها حق الحصول على رخصة قيادة قانونية، تمكنها من التحرك وتحقيق أهداف الرؤية من حيث التمتع بامتيازات العيش في مدن عصرية سهلة التنقل، فكيف يكون ذلك ونحن أمام الآلاف المؤلفة من النساء الزاحفات على جامعة الأميرة نورة كل يوم يتنقلن في حيرة واضحة ما بين ثلاثة مبانٍ مترامية، إما للتسجيل أو للتقييم أو للتدريب أو للحصول على الأوراق.. أو أو أو؟ لماذا؟ ما الداعي لكل هذا الهرج والمرج ومَن اخترع هذه العجلة البالية من البيروقراطية البليدة وأدخلنا كنساء فيها وهي مجرد عمليات إدارية بسيطة ممكنة التنفيذ إلكترونيًا؟ ولماذا بالضرورة جامعة الأميرة نورة؟ ولماذا فقط مدرسة قيادة واحدة في مدينة بها ثمانية ملايين نسمة؟
لماذا لا تفتح باقي المدارس لكل النساء والرجال؟ ولماذ لا يكون المدربون رجالاً؟ كان ولا يزال سائقونا الأجانب يعيشون داخل منازلنا ويقودون بنا السيارات، فلماذا لا يدربون فيسهل تدريب النساء في كل منطقة وقرية نائية؟
من يرى جامعة نورة وضجيج شوارعها الداخلية يتخيل أن هذه الجامعة تغص بباحثيها ومناشطها العلمية والتنويرية، ولا يمكنه أن يتخيل أن الزحام وطاقة التنظيم في الجامعة مسخرة لتيسير أمر إصدار أبسط طلب: رخصة قيادة نسائية.
هذا الاحتكار الاقتصادي لا مبرر له، وما الفائدة من هذه الأموال التي تصبها هؤلاء النسوة المحتاجات لتعلم القيادة بعد أن امتصت الباصات المشتركة وسائقو الأجرة مرتباتهن الضعيفة، وحتى أولئك المتمكنات يملكن الحق الإنساني والوطني في الشعور بالاستقلالية والقدرة على التحرك متى ما رغبن.
نتفهم دوافع هذا التنظيم بإبقاء الأمر قصرًا على مدرسة واحدة فقط في الرياض بعد صدور الأمر الملكي الشهير بالسماح للنساء السعوديات بقيادة السيارة قبل عام، وذلك في محاولة لمساعدة المجتمع على التقبل التدريجي لمسألة وجود المرأة في الشارع، ولمنع بعض الحوادث العنيفة التي قد تأتي من قلة خبرة الكثير من النساء بقيادة السيارة، لذا كان الأمر يقتصر على مدرسة واحدة كما اقتصر على السعوديات فقط لتلبية حاجات نساء المدينة، لكن الأمر الآن أصبح أكثر سهولة وطبيعية ومن يرى الآلاف المؤلفة من النساء الراكضات على بوابات جامعة نورة وضمن حياض مدرسة قيادة المرأة السعودية كما تسمى يتعجب أولاً كيف انقلب حال هذا المجتمع الذي كان رافضًا لفكرة القيادة ويعتبرها رجسًا وفسادًا إلى حال الافتنان بالفكرة مقابل ضيق الفرص المتاحة لتسهيل هذا الأمر، ثم ما السبب أنها مدرسة واحدة فقط؟
أدعو من هذا المنبر إلى فتح الأمر لكل الشركات المتواجدة في السوق، إذ لا معنى لقصره على مدرسة نسائية حيث تتواجد المرأة في كل مكان مختلط، وهي تعمل اليوم في كل القطاعات، فلماذا التخصيص بالجنس في لحظة تاريخية لا تحتمل ذلك؟