د. محمد عبدالله الخازم
سأبدأ بهذه القصة؛ في أحد الأعوام استضيفت نائبة رئيس جامعة كندية للمشاركة في مؤتمر التعليم العالي الدولي الذي يعقد في الرياض، وبحكم موقعي السابق كنت أحضر معها بعض اللقاءات بمسؤولي الجامعات السعودية. في أحد اللقاءات كان الحديث عن البكالوريوس ففجأة وجدت أن المسؤول السعودي يتحدث عن كليات تربية وقانون وعلوم طبية وطب وغيرها تقبل خريجي الثانوية بينما المسؤولة الكندية تتحدث عن برامج مهنية تقدم كدرجة جامعية ثانية، المسؤول السعودي يقلّل من البرامج المهنية بينما الكندية تتحدث عن برامج التخصص كبرامج مهنية. اضطررت للتدخل لشرح الفروقات بين التعليم الجامعي الكندي والسعودي، لأن كل منهم كان يتحدث بخلفية مختلفة. وقد أخبرتني بأنها شعرت بأن حضور محاضرتها لم يكونوا معها بالكامل، وأنها كان تتمنى أن شرحت لها تلك الفروق قبل إلقاء المحاضرة..
الشاهد في القصة أعلاه هي أن مؤتمر التعليم العالي دأب على إحضار متحدثين من الخارج وكل منهم يتحدث وفق خلفية ونظام مختلف، فضلاً عن كونهم قادة يتكلمون في نقاط إستراتيجية عامة ينفع قولها في أي مكان من العالم ولكن ليس بالضرورة في بيئتنا الإدارية والتنظيمية، وفي النهاية يخرج المتلقي منتشياً بأفكار، ليست بالضرورة تمس التعليم الجامعي السعودي. وحتى المتحدثين السعوديين من مدراء الجامعات تأتي مشاركاتهم تنظيرية أو مليئة بالمجاملات خالية من النقاش الحر وكأنهم يتحدثون لأنفسهم كمسؤولين أو لتلميع تعليمنا أمام الضيوف من الخارج. لذا ومن خلال مشاركة متكررة في هذا المؤتمر أشيد به كمؤتمر يبرهن على قدرتنا على إحضار متحدثين مدراء جامعات وشخصيات مرموقة من مختلف دول العالم ويعرّفنا على أفكار معالي الوزير عبر مشاركته الضافية، لكن لا يغوص بشكل مباشر في قضايا التعليم العالي السعودي الحقيقية، إن لم يكن يراوغ عنها عمداً، رغم تعددها وتشعبها. المؤتمر لا يخلق مناظرات وفضاءات جدلية كما يجب، ويتجنب استضافة الناقد السعودي صاحب الرؤية المختلفة والمفكر المستقل في مجال التعليم العالي، لذا تأتي توصياته عموميات لا تلامس العمق في قضايا التعليم العالي السعودي...
أشكر القائمين على المؤتمر ولست أنتقد تنظيمه وإنما أصفه باحثاً عن الجزء الناقص في المعادلة. في النهاية هو مؤتمر تنظّمه وزارة التعليم ولا يتوقّع منها أن تحضر من ينتقد سياسات التعليم كما لا يتوقّع منها أن تحضر من يختلف معها، هو مؤتمر احتفائي مبهج. ستكون مطالبة طوباوية لو عاتبت أو اقترحت الكثير، لكنني أطرح الأسئلة؛ هل هناك أمل لتغيير سياسة المؤتمر ليكون سعودياً دولياً وليس دولياً سعودياً؟ من هي الجهة غير التعليم التي يمكنها تبني مؤتمرات تناقش قضايانا التعليمية بشكل شفاف ومباشر؟ لا يوجد لدينا مراكز تفكير متخصصة ومستقلة تناقش السياسات المختلفة ولا يوجد لدينا جمعية مستقلة للتعليم العالي ونصر على إدارة التغيير ومناقشة المستقبل بنفس الآليات القديمة. وعندما يطرح مهتم أو خبير رؤية خارج أروقتهم (البيروقراطية) أو خارج ما اعتادوا عليه يهمشونه ولا يمنحنونه حتى فرصة تقديم آرائه في منتدياتهم ومؤتمراتهم تلك.
شكراً وزارة التعليم على المؤتمر الدولي.. نحن بحاجة إلى مؤتمر سعودي.