د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ
هذا السؤال يمكن الإجابة عليه باختصار شديد أو بالتفصيل، وأنت قارئي العزيز، في ذهنك بلا شك الإجابة ولا يخفى على الكثير ذلك، فمجتمعنا تربى وترعرع في كنف مجتمع ذي قيم عالية وأخلاقيات فاضلة، منذ نعومة أظفار الواحد منا ونعيش الشهر ونعد أنفسنا لاستقباله، ووالدينا هم الأسوة والقدوة الحسنة، نتبع تعليماتهم وتوجيهاتهم. سأذهب إلى أبعد من ذلك وأذكر أن شهر رمضان مدرسة عظيمة نلتحق بها لأيام معدودات من كل عام، نعم مدرسة نتعلم فيها ونتربى في كنفها مدرسة عظيمة ليس ثمة مدرسة تجاريها، التربية في هذه المدرسة تركز منهجيتها على الروح قبل الجسد، مدرسة تربي طلابها على قيم عظيمة وفاضلة، يطول الوقت لو حاولنا أن نعددها: نكران الذات، المراقبة الذاتية، حب الخير بأنواعه وصنوفه، حب الغير ومساعدتهم، غرس المحبة في أفراد الأسرة، صلة الرحم، وتتجاوز أصناف المحبة والتضحية إلى حب المجتمع وحب الوطن وولاة أمره، شيء عجيب وعظيم، ليس فيه مراء ولا مبالغة، هذا الشهر تطمئن فيه الروح البشرية الجامحة لحب الذات والماديات، والتحول إلى حب الغير، تتغير فيه التعاملات البينية، تتغير وتتحول إلى شيء عظيم وإيجابي، لأن في الشهر كبح للنفس، التي اعتادت على الجموح، وليس الطموح، في الشهر وقفة ومحاسبة للنفس وتهدئتها، في خضم الحياة نجري ونكاد لا نلتفت لما حولنا، نسرع لاهثين إلى أن تتوقف الحياة، في رمضان موصوون بأن نراجع أنفسنا، نحافظ على صلواتنا نتلو كتاب الله، نعطي ونبذل للمحتاجين، وما بعد هذه الدورة المكثفة يفترض أننا روضنا أرواحنا قبل أجسادنا على كل ماذكر، ومن المعروف أنه إذا تم ترويض الروح وتطويعها فإن الجسد يتبع ويخضع ويتروض بطبيعته الخاصة، إذا زكت الروح زكى الجسد وإذا صفت الروح صفا الجسد، الجسد كما عبر سيد الأنبياء والمرسلين: حسب الصائم لقيمات يقمن صلبه، فالعبرة بالروح لا بالجسد والاعتناء بالروح قبل الجسد، ولكن الاعتناء بالروح أصعب من الاعتناء بالجسد، ولكن بالصبر والمثابرة تقتحم الصعاب، أختم بالقول: دعوة لي ولَك ولنا جميعا أن نستفيد من مدرسة رمضان ونستشعر قيمها ومنهجيتها، أفرادا ومجتمعا، في سائر شهور العام.