شيمة الوفاء للمكان ولأهل المكان من القيم الأخلاقية الجميلة التي تنبئ عن الأصالة والعراقة والتشبث بتراب الوطن وتؤكد على أن العلاقة بين الإنسان والمكان علاقة أزلية وعلاقة ألفة وحميمية تنبض بالمعاني والإشارات والدلالات، أقول ذلك بعد أن لمست ذلك مجسداً أمامي ومن خلال جائزة أ. د. ساعد العرابي الحارثي للتميز التي تدخل هذا العام 1440هـ عامها الخامس عشر على التوالي، وانطلاقاً من حرصه بأن تكون انطلاقة هذه الجائزة من المحضن الأم من أرض القبيلة ومن تلك القرية الوادعة بين أحضان الجبال (المريفق) التي أنجبت الأجداد والأباء والأحفاد، ولإعادة تلك الأجواء الأسرية التي نفتقدها اليوم بعد الخروج من نطاق وحدود القرية وجمالها وبساطتها وألفتها إلى عالم المدنية والانخراط في دوامة الحياة العصرية بكل همومها ومشاغلها وتعقيداتها التي لا تنتهي.. ومن هدف آخر سعى إليه صاحب الجائزة في ربط الأبناء والشباب من الجيل الجديد بموطن الأصل والنشأة وبتراث المنطقة وعاداتها وتقاليدها بطريقة تربوية فاعلة ومتوازنة ما بين الماضي والحاضر والمستقبل.
وللتذكير فقط فقبيلة (العرابي الحارثي) من القبائل العريقة في محافظة ميسان وهم بيت خير وعلم منذ قديم الزمان واتى على ذكرهم العديد من المؤرخين ممن تحدثوا عن الطائف وما حولها.. ونفخر بان العديد من أبنائها تسنموا سابقاً ولاحقاً وما زالوا أرقى المناصب في خدمة الوطن والمواطن وقيادته الحكيمة.
ومنذ انطلاق الجائزة في سنواتها الأولى ومن منطلق حرصي الكبير على حضور حفلها السنوي والذي يقام خلال الأيام الأوائل من شهر شوال ولما تتيحه لي من فرصة ثمينة للالتقاء بصاحب الجائزة والعديد من زملاء الدراسة بالطائف في مراحلها المختلفة وصولاً للمرحلة الجامعية، إلى جانب الحصول على مجلة التميز التي تصدر سنوياً والتي يتناوب على رئاسة تحريرها نخبة مميزة من شباب قبيلة العرابي ولعل آخرهم أخي وزميلي بتعليم جدة سابقاً المربي القدير الأستاذ خالد بن ثابت العرابي الحارثي.
وفي إحدى دورات الجائزة كنت قد طرحت على صاحبها ومؤسسها الأستاذ الدكتور ساعد الحارثي فكرة توسيع نطاق الجائزة لتشمل باقي القبائل الأخرى في محافظة ميسان إلا أنه رد وبطريقته المهذبة الراقية بأنه بدأها من قبيلته كجائزة عائلية خاصة ويريدها أن تكون حافزاً لأبناء قبيلته ليواصلوا مشوار التميز الذي عرفت به هذه القبيلة وأصبح سمة من سماتها وعلامة بارزة من علاماتها، ثم لاكتشف بعد مرور الدورة الرابعة عشرة من عمر الجائزة مغزى تلك الانفرادية وذلك الهدف البعيد الذي كان يرمي إليه د. ساعد من رفضه لتوسيع نطاق الجائزة منذ بداياتها الأولى والمتمثل في أنه اكتفى بأن يوقد شعلة هذا العمل في بقية القبائل الأخرى.. وبالفعل حدث ما كان يرمي إليه بعد أن تنامى إلى علمي عن تأسيس جائزة قبيلة (كتنة) التي دخلت عامها الخامس هذا العام بإشراف الزميل التربوي بتعليم جدة الأستاذ قليل الحارثي، وانطلاق جائزة أخرى في قبيلة (الحسين) العام الماضي 1439هـ، إلى جانب جائزة التفوق في قبيلة (الظهرة)، وجائزة قبيلة (العطا)، وجائزة التفوق بقبيلة (الخلد) التي تدمج مع حفل المعايدة السنوي، ووجود بوادر وإرهاصات لخروج جائزة شاملة لكافة قبائل محافظة ميسان وتحت إشراف المحافظة، وهو ما يعزز مثل هذا التوجه السامي الذي تهدف إليه الجائزة في غرس التنافس الشريف بين أبناء منطقة ميسان.
فهنيئاً لك د. ساعد ما غرست وبذرت وحصدت من تشجيع أبناء وبنات قبيلة (المشاييخ)، وقد ساهمت بفعلك الجميل بدفعهم وتحريضهم للوصول إلى أعلى المستويات العلمية والمعرفية مع التمسك التام بالأسس الإيمانية والقيم الروحية والأخلاقية من خلال فروع الجائزة المتعددة ومنها الاهتمام بتشجيع حفظة كتاب الله الكريم خير الزاد والزواد والقائد إلى طريق الخير والرشاد.. وهنيئاً لقبائل ميسان أن كنت أنت الذي أوقد الفتيل لخروج مثل هذا الحراك في الاهتمام بجيل المستقبل وأمل الغد المنشود.