نوال العتيبي
الإبل موروث شعبي في التراث العربي والسعودي، ومعجزة الله على أرضة، أمرنا بالتأمل بها، فمن ناقة نبينا صالح وحتى القصواء ناقة سيدنا محمد. عرف العرب منذ القدم أهمية الإبل فكانت رمزًا للغنى والقوة والثراء والعزة، سخرها الله لأبناء الصحراء وبيئتهم الصعبة الجافة ليعيشوا عليها ويقتاتوا منها حليبًا ولحمًا وجلدًا وأحيانًا تكون لهم شفاء ودواء، ويرتحلون عليها شرقًا وغربًا، حجًا وتجارة وحروبًا وغزوات وانتصارات وفتوحات. احتلت الإبل منذ الأزل في نفوس العرب مكانة عالية جدًا لا يعيها من لم يعاينها أو يسمع من أصحابها ومربيها قصصهم ورواياتهم وما تتناقله الأجيال منها، كتبت فيها القصائد والمعلقات والأهازيج والأغاني، وكانت مضربًا للمثل واحتلت مكانة من العشق والحب لأصحابها يستأنسوا بمجالستها ومشاهدتها. وتعتبر الإبل رمزًا وإيقونة لبيئتنا الصحراوية البدوية وتراثنا الذي عاش عليه أجدادنا وعشقوه وتغنوا به، وحتى مع التطور الحاصل في عصرنا الحديث وتنوع أساليب المواصلات وتعدد مصادر الغذاء والكساء، وما زالت الإبل تحتل المكانة ذاتها في نفوس أبناء الصحراء وما زال ثمنها بازدياد، فاجتهد ملاكها لسباقات الهجن ومازادات بيعها ودخول منافسات جمالها والبحث عن صفاتها. بدأت هذه المناسبات في مجتمعنا كاجتهادات من مجموعات وجهات وقبائل حتى لاقت نجاحًا باهرًا وحضورًا قويًا وصيتًا وشعبية كبيرة في المجتمع السعودي والخليجي وبعض المناطق العربية ذات الطبيعة الصحراوية. أدرك هذه الأهمية ولاة أمرنا فأصبح للإبل مهرجان عالمي يحمل اسم المؤسس الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- وتحت إشراف حكومي منظم عالي المستوى، وهو أكبر تشريف واعتراف من حكومتنا بأهمية مورد الإبل الموروث الشعبي الذي امتازت به الجزيرة العربية، رصد لهذا المهرجان ميزانية ضخمة وتغطيه، وحضور إعلامي على كل الساحات الإعلامية، ودعم من القطاعات الحكومية كافة، وتوج اهتمام ولاة أمرنا بالإبل بإنشاء نادي الإبل، والذي أصدر خادم الحرمين الشريفين أمرًا بأن يكون صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع مشرفًا عامًا على نادي الإبل. والآن يقام المهرجان بنسخته الثالثة الذي شهدت تحديثًا وتطورًا كبيرًا يذهلك عند رؤيته يدعو للفخر والعزة، وأصبح مهرجانًا يستضيف دولاً وفرقًا عالمية وفنونًا من تراث مختلف وبيئات صحراوية، وأصبح من الوجهات الترفيهية والسياحية العالمية، وشريفًا ودعمًا لهذه الثقافة التي تميزنا ونعتز بها، حضور سيدي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الحفل الختامي للمهرجان ودعوة رؤساء الدول الخليجية والعربية لحضوره. كانت الإبل وما زالت فتنة لملاكها ومحبيها، تأسرك وتجبرك على تأملها وحبها ومشاهدتها والإنس بها والشوق والحنين لها، الإبل كنز وثروة يعيها من يقتنونها ويتنافسون لدفع أغلى الأثمان لاقتنائها والتنافس على الأجود والأجمل منها، الإبل عالم آخر يأسرك بتفاصيله وتبهرك الفوائد الصحية والتجميلية المشتقة من لحوم ولألبان، الإبل وما زالت يقام عليها الأبحاث والدراسات والنقاشات المؤيدة والمعارضة، والفوائد النفسية والروحية العديدة لاقتنائها وتأملها. كل الجهود المبذولة من حكومتنا لدعم موروث الإبل تنسجم وتتفق مع الرؤية الجديدة لمملكتنا التي تشجع وتدعم السياحة في المملكة والاعتزاز بالتراث والهوية السعودية الصحراوية التي تميزنا، ومورد اقتصادي سياحي مهم، وتمتاز بيئتنا الصحراوية الحارة عن باقي بلدان العالم بوجود الإبل التي خصنا الله بهذه النعمة العظيمة.