يعد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عبدالكريم بن عبدالله بن عبدالعزيز بن حمود المشيقح واحدًا من أبرز رجال الدولة في المملكة، حيث أوكلت له عدد من المهام والمسؤوليات التي أدارها بكل أمانة وإخلاص ووفاء.. فكان مثالاً يحتذى به.. وقدوة من القدوات.. أخلص بعمله لخدمة دينه وولاة أمره ووطنه وأبناء مجتمعه.. فكان علامة بارزة وفارقة في مسيرة العمل الإداري في المملكة.
كما أن الشيخ عبدالكريم المشيقح واحدًا من رجال الخير والصلاح الذين اجتهدوا لخدمة الناس ومساعدتهم والوفاء معهم.. لذا فقد استحق تقدير الجميع بدون استثناء.
النسب والنشأة:
ينتمي الشيخ عبدالكريم.. إلى أسرة المشيقح وهي واحدة من كبار الأسر في السعودية ومنطقة القصيم خاصة تميزت هذه الأسرة بالتجارة والعلم والولاء للدين والوطن ومنها رجال كثيرون اكتسبوا شهرة كبيرة في خدمة دينهم ووطنهم.. ويقصدهم أبناء المجتمع لطلب الشفاعة.
وفي مدينة بريدة حاضرة منطقة القصيم ولد الشيخ عبدالكريم المشيقح عام 1341هـ في بيت علم وورع.. فتربى في كنف والده الوجيه الشيخ عبدالله العبدالعزيز الحمود المشيقح، ووالدته الفاضلة حصة بنت جاسر الجاسر حيث حرص والداه على تربيته تربية إسلامية أصيلة، وقد أتم قراءة وتجويد القرآن الكريم وهو ابن التسع سنوات وتتلمذ لدى أشهر الأساتذة في عصره حيث قرأ على الشيخ صالح بن محمد الصقعبي صاحب المدرسة الأهلية ببريدة، وقرأ على يد الشيخ عمر بن سليم والشيخ عبدالعزيز العبادي والشيخ محمد الصالح السليم -رحمهم الله جميعًا-.
وبرز الشيخ عبدالكريم المشيقح -رحمه الله- في العناية بالعلم الشرعي واللغة العربية واقتناء وقراءة الكتب العلمية في مختلف تخصصاتها.. فكان من البارزين في هذا المجال والمهتمين بالمصادر والمراجع العلمية، واكتسب شهرة في سعة اطلاعه وثقافته، والتقدير والثناء ممن عرفه وقابله.
وقد أدى -رحمه الله- فريضة الحج لأول مرة عام 1358 هـ.
التجارة:
بعد أن أتم تعليمه -يرحمه الله- قرر الشيخ عبدالكريم أن يعمل بالتجارة فانطلق بدءًا من عام 1362هـ في العمل التجاري بالشراكة مع شقيقه إبراهيم بن عبدالله المشيقح في مدينة الرياض التي انتقل إليها نظرًا لأنها كانت هي ثقل التجارة في منطقة نجد حينها.. وقد كان سمحًا وأمينًا في تجارته ولم يكن يسعى للربح الفاحش والإضرار بالناس.. كما كان لينًا ومتجاوبًا مع الجميع أثناء عمله التجاري.
ورغبة في توسيع تجارته قرر السفر خارج المملكة، فحصل بأمر ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز آل سعود على جواز سفر يؤله للسفر إلى الدول العربية.
فكانت رحلة سفره الأولى إلى دولة الكويت ثم إلى العراق فالأردن ثم إلى سوريا، ومارس تجارته الأولى على قوافل الإبل.
ومنها وفيها نجح في تكوين علاقات واسعة من الأوساط الاجتماعية والاقتصادية، ونال ثقة الجميع نظير تدينه ونبل أخلاقه وأصالة معدنه وجميل خصاله رحمه الله.
العمل الحكومي:
ومع بدايات التنمية الإدارية بالمملكة كانت الدولة بأمس الحاجة إلى خدمات أبنائها المتعلمين والأكفاء.. فاستجاب الشيخ عبدالكريم المشيقح لنداء الوطن.. فانظم إلى العمل الحكومي رغم عدم حاجته إليه ولكن للمساهمة في خدمة الوطن، وهو يخطو أولى خطواته نحو التنمية الإدارية الشاملة.
فكان أول انضمام له في العمل الحكومي عام 1364هـ حيث عمل بإدارة جمارك المنطقة الشرقية في القطيف ومطار الظهران ورأس المشعاب وميناء ومحطة شركة التابلاين لمد أنابيب البترول.
ونظرًا لإخلاصه وتفانيه في أداء عمله فقد كسب ثقة كبار المسؤولين وتم تعيينه في منصب إداري وأمني مهم جدًا وحساس وهو منصب وكيل مدير عام مصلحة خفر السواحل في مدينة الدمام بالمنطقة الشرقية.
وبعد مسيرة النجاحات المتميزة نقل عمله إلى رئاسة الحرس الوطني وذلك في عام 1376هـ. حيث عُين مديرًا لإدارة المحاسبة، ثم عُين مديرًا لمصلحة المجاهدين ثم صدر أمر ملكي كريم في عام 1378هـ بتعيينه مديرًا عامًا للحرس الوطني وخلال هذا العمل أسهم الشيخ عبدالكريم المشيقح بأن يكون من الأوائل الذي أسسوا وطوروا جهاز الحرس الوطني السعودي هذا الجهاز القوي والمهم الذي يتولى عدة مهام أمنية وثقافية ووطنية واجتماعية مهمة.
وحين تولى الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- مهام رئاسة الحرس الوطني في منتصف ثمانينات القرن الهجري المنصرم. ونظرًا لسمعته الكبيرة والمكانة الرفيعة التي اكتسبها الشيخ عبدالكريم المشيقح فقد اختاره الملك عبدالله بن عبدالعزيز أثناء رئاسة الحرس الوطني في عام 1385هـ ليكون من أهم رجال وأركان الحرس الوطني فأسند إليه الإدارة العامة للمدارس الفنية والعسكرية وحقق نجاحات كبرى في هذا القطاع الوطني المهم.
وبعد سلسلة النجاحات البارزة، وبعد نهاية مرحلة التأسيس والتطوير تم اختيار الشيخ عبدالكريم المشيقح ليكون مستشارًا في رئاسة الحرس الوطني، فكان نعم المستشار الأمين، وفي عام 1399هـ قرر أن يتقدم بطلب إحالته إلى التقاعد المبكر لأجل أن يعود وعائلته إلى مسقط رأسه ويعيش آخر حياته بين أسرته وقرابته.. وتقديرًا للمهام والواجبات الكبرى التي أداها تمت الموافقة على طلبه وأحيل إلى التقاعد بعد أن قدّم النموذج الناصع البياض لخدمة الدين والملك والوطن.
الحياة الاجتماعية:
بعد تقاعده -يرحمه الله- قرر التفرغ لخدمة مجتمعه فكان حريصًا كل الحرص على استقبال الجميع في مجلسه العامر سواء من أسرته أو من غيرهم، وكان لا يبخل بوجاهته ولا شفاعته لأحد مهما كان، فكان من كبار ووجهاء مجتمعه وإليه يقصده الجميع للمشورة وإصلاح ذات البين وطلب العون والشفاعة.
فكان -رحمه الله- عميد أسرة المشيقح سنًا وريادة، ولديه مجالس مع الأسرة في عدد من أيام الأسبوع، ظهر الجمعة ومساء الثلاثاء، وعادة ما تبدأ هذه المجالس بتلاوة آيات من كتاب الله، وقراءة في السيرة النبوية، ومجلس الثلاثاء هو امتداد لمجلس أسرة المشيقح العلمي الذي أسسه جده الشيخ عبدالعزيز بن حمود المشيقح ويقام في مجلسه بعد صلاة العشاء منذ عام 1326هـ ويعرف بمجلس القراءة. وقد اشتهر عن الشيخ عبدالكريم المشيقح صفاء القلب والصدق والطاعة والعبادة وكثرة النوافل وصيام التطوع وقيام الليل في السفر والحضر ومساعدة المحتاجين، وصلة الرحم وعيادة المرضى، وعمل الخير والعمل على إصلاح ذات البين سواء في عائلته أم غيرهم. وقد دون عدد من المؤرخين والباحثين بعض الذكريات والأحداث التاريخية منه مباشرة لما يملكه من ذاكرة حية. وبُعدًا عن الهوى والتعصب. توفي -رحمه الله- صباح يوم السبت الموافق الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر لعام 1432 هـ بعد مرض ألم به وصُليّ عليه بعد صلاة العصر في جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب ببريدة.
وقد تشرف الشيخ عبدالكريم بن عبدالله المشيقح -رحمه الله- بحضور العديد من اللقاءات التي تمت في مجلس عائلته بين جده ووالده مع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- واشتهر عنه حفظه للعديد من وثائق الأسرة والاهتمام بها.
** **
- عارف العضيلة