عبد الله باخشوين
** ذات مساء من المساءات التي كنا نجتمع فيها مع الأصدقاء (محمود تراوري وعيد الخميسي وعبدالله التعزي وعلي الشدوي) في (المقهى)، أو في منزل أحدنا، أذكر أن محمود تراوري خصني بحديث جانبي، روى فيه هذه المفارقة، وهو يقول:
- مرت فترة، كان فيها (الشباب) عندما نجتمع يتحدثون عن (القومية العربية) بحماس، ويدعوننا للإيمان بها كفكر ومصير.. فأجاريهم بالاستماع دون تعليق.. دون أن أرى أن أحدًا منهم يدرك (الحقيقة) وما فيها من تناقض؛ فكيف تطلب مني الإيمان بالقومية العربية وأنا إفريقي، ومن أصل غير عربي؟!
قلت:
-الفكرة قديمة.. فقد حضرت في بغداد نقاشات لبعض المتحمسين الذين يحاولون استغلال شخصية القائد الإسلامي الشهير (صلاح الدين الأيوبي) لإقناع بعض الأكراد - و(صلاح الدين) كردي - بشرعية الانتماء لـ(حزب البعث)، وهو الأمر عينه في سوريا.. فيما واجهت دعوة زعيم مثل عبد الناصر انبثاق ومد الدعوة التي تبنت القول بفكرة (مصر الفرعونية) في مواجهة دعوته (القومية).
وفي مواجهة هذه الدعوى برزت (حركة الإخوان)، وبرزت (الحركة الماركسية).. إذ تم استغلال هذه الدعوة للقومية عند الإخوان ببديل هو الإسلام، وكنا صغارًا نردد نشيد:
-(لا شرقية… ولا غربية… من مكة فيصل أعلنها إسلامية… إسلامية… إسلامية).
واستغلها الشيوعيون بالقول بعدم الإيمان بوجود شيء اسمه القومية.. الله - سبحانه - خالق هذا الكون، بما فيه ومَن فيه، مما نعلم، وما لا نعلم.
هنا لا بد من استعادة مقولة، وردت في أحد مقالات المفكر الدكتور حمزة السالم.. إذ أورد في حواره مع مدرسة اللغة الإنجليزية إجابتها عن سؤال عن الفرق بين مشاعرهم المتباينة تجاه المسلمين واليهود.. التي تقول ما معناه لأني أستعيدها من الذاكرة:
-اليهود لا يتدخلون في معتقداتنا.. بينما المسلمون يتدخلون، ويريدون أن نكون مسلمين مثلهم؟!
أذكر هذا للحديث عن الحرب الغربية الدولية ضد الفكر الماركسي وممارساته وأطروحاته؛ إذ إن الغرب نظر لمعركته معه من جانب حضاري واقتصادي، وكصيغة استعمارية جديدة للدول والشعوب المعدمة والفقيرة.. دون أن يتطرق إلى أطروحاته حول القومية والدين.
فيما تبنى (الإخوان) مهمة الترويج لمحاربته كـ(فكر الحادي).. وبرزت أهمية محاربته لدى الغرب من هذا المنطلق الذي تبنته أمريكا كواجهة، وفتحت على أساسها مختلف قنوات اتصالها بـ(مختلف القوى والتيارات الإسلامية) التي حظيت بتأييد الحزب الجمهوري.. وأراد الرئيس باراك أوباما أن يسبقها بخطوة يسجل بها إنجازًا شخصيًّا.. كان بمنزلة مقدمة لكوارث (الربيع العربي).
بالعودة للمملكة العربية السعودية.. فإننا يمكن أن نشبه خطوات الانفتاح العام التي قادها زين شباب العالم ولي العهد محمد بن سلمان بتلك (الرؤية) التي انطلق منها الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف حين وضع تصورًا، يؤكد أن بلاده كانت مثل (قدر الضغط)، يغلي وهو مغلق بأحكام، يكاد يجعله على وشك الانفجار.. أما في الحالة (السعودية) فقد كان الأمر مختلفًا.. إذ إن التيارات المتطرفة وشديدة الإصرار على التطرف في الانغلاق لم تكن توجهاتها مبنية على قراءة صحيحة لواقع المجتمع السعودي الطامح إلى التطور والانفتاح على كل المنجزات الإيجابية في العالم.. ولم تكن رؤية ولي العهد زين الشباب الطامح والطموح تهدف لدفع المجتمع بما ليس فيه.. لكنها رؤية ثاقبة.. فهو - منذ البدء - لم يرَ (المجتمع السعودي)، ولكنه شاهد ذلك (الغطاء) الأسود الذي يريد أن يحكم أطباقه يومًا بعد يوم، فيما الحياة (تحته) تموج بما فيها من أحلام وطموحات ووعود.. فقرر أن يقوم بسحب ذلك الغطاء أو الستار الذي يحول بين الناس وواقعها.. ليمنح الشمس والأحلام والمستقبل.
محمد بن سلمان سحب الغطاء الساتر.. وجعل الناس ترى أنها بخير، وأن ما ينتظرها مستقبل مشرق، وأن محمد بن سلمان يقود المملكة في طريق يغير به وجه المنطقة العربية.. تحت قيادة ملك العدل والحزم والعزم سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله ورعاه -.