د. خيرية السقاف
محمودة هذه المبادرات المتسارعة من الشباب نحو تناول الخطاب العام بمختلف مضامينه،
الإصلاحي، والتوجيهي، والابتكاري، والتعاوني، والإعلامي، بهمة عالية، يتنافسون فيها لاكتساب الريادة في المجتمع، والظهور في الأضواء، والحصول على ألقاب مستحدثة كالتي نجدها جوار أسمائهم في تعريفهم أنفسهم بمواقع التواصل، حتى بتنا نتساءل متى حدث هذا. وكيف حدث هذا، وعن أي الجهات صدرت هذه المنح الوصفية لكل هذا العدد الذي لا يحصى، ولكن بفرح، نعم بفرح أن نجدهم على خطى الإرادة عازمين، وفي مضامير العطاء والاكتساب باذلين، ولوضع أنفسهم في طرق البناء جادين..
ذلك لأن الأنقاض لا تقوم إلا على أكتاف قوية، وبسواعد شابة متينة، وبسعة صدور لا يملكها إلا نشء جاد مثابر نحو بلوغ أهداف عليا..
كل هذا يسرنا تحديداً حين نجد منهم من يعمل بتفان لكشف الأخطاء في المجتمع بطريقة قانونية، ولتعريف الناس بمخاطر خفية عنهم تمثيلاً كالأدوية منتهية الصلاحية، أو الأغذية الفاسدة، أو المناطق الخطرة لارتياد الأطفال، أو التوعية الصحية لمخاطر بعض الأمراض، وأسبابها وإهمال متابعتها، رجوعاً لمصادر تتعاون معهم، وتضع أرقام مراجعتها بين أيدي المواطنين، فيكونون هم المواطنين المساعدين، والهمم المعينة..
ما دعاني لكتابة هذا عن فئة شبابنا الذين يدهشوننا بجدهم، ونشاطهم، ومثابرتهم مشاهدتين وقفت عليهما أمس، واحدة منهما للشاب «فيصل العبدالكريم»، وهو ناشط اجتماعي معروف بتعاونه المجتمعي العام، شاهدت عرضه مع فرقة مكونة من الرقابة في وزارة الصحة، والشرطة، والأمانة ما كشف فيه بالصورة البراهين فيما أسماه: «مغارة علي بابا» في أحد المراكز الصحية بالرياض، وتم بناء عليه إغلاق المركز الذي اكتظت مغارته بالغش، والخداع بتخزين الأدوية الفاسدة، وتجديد تواريخ صلاحياتها المنتهية، فظاهر المكان عيادات، وباطنه الأعلى والأسفل مغارات تتوارى وراء أبواب موهومة بأغطيتها، مليئة بالفاسد الموبوء..
وثاني مشاهداتي للشاب «عمر الملحم»، إذ عرض لحالتَيْ سلوك مشين في المجتمع إحداهما جاءت في لقطة أوردها لخادمة تركها مكفولها وأسرته خارج مطعم تجلس في انتظارهم إلى أن يتموا تناول وجبتهم داخله، والأخرى لطفلة تتمدد وهي تتابع «شاشة» في يدها، وتمد قدمها للخادمة لتخلع عنها حذاءها، وقد وجه كلاهما من النقد الهادف بأسلوب راق ما ينتاب مجتمعنا في بعض أفراده من الغش، والطمع والإثراء على حساب صحة الناس فيما قدمه العبدالكريم، وفيما يعتري سلوك الناس في تربية أبنائهم على الاتكال من جهة، وعلى عدم احترام البشر من جهة أخرى في كلتا الحالتين اللتين عرضهما الملحم..
إن «العبدالكريم، وإن الملحم» كلاهما يقدمان لنا ما يزيدنا دهشة فرح بأبناء هذا الجيل النابه المتسارع نحو الظهور، ولكن في الطريق الصحيح، وبالنهج الفصيح، للهدف الكبير، وبالأمل الوفير، بالاستفادة من مهارات وسائل الاتصال، وتقنياتها فيما يخدم المجتمع لا فيما يبدد الوقت، ويهدر الطاقة، ويكدر النفوس..
هذا النوع من شبابنا يسعدوننا كثيراً، وعسى أولئك المتهافتين بهشاشة ما يقدمون أن يقتدوا بهما، وبمن مثلهما وهم كثر..
تحية لكل من يمنحنا طمأنينة، ويزيدنا ثقة في القادم، وفي الحاضر من أبنائنا الشباب.