عمر إبراهيم الرشيد
وأخيرًا فتح السودانيون صفحة جديدة في سجل تاريخهم الحديث، وانزاح نظام عمر البشير الذي رزح الشعب السوداني تحته ثلاثة عقود من الزمن، عانوا فيه ما عانوا، حتى قالوا كلمتهم، وأملوا إرادتهم سلميًّا وحضاريًّا بالرغم من مصاعبهم المعيشية، وقسوة ظروفهم. هذا البلد الغني بموارده وأرضه جدير بأن يكون (سلة خبز) للوطن العربي؛ فهو يتوافر على خمسة عشر مليون فدان من الأراضي الخصبة والزراعية، لم يُستغل منها إلا مليونا فدان فقط. ويُعتبر الشعب السوداني أكثر الشعوب العربية في نسبة الجامعيين إلى السكان، إضافة إلى حبهم للقراءة والاطلاع، وميلهم إلى التسامح ولين الجانب. ومع ذلك فقد مرت هذه العقود الثلاثة ولم يذق هذا القُطر العربي طعم الاستقرار والتنمية، بالرغم من إمكاناته الطبيعية والبشرية، وظل نظامه - بكل أسف - ينتقل من مغامرة إلى أخرى في مناوشات وحروب، سهّلت التدخلات الأجنبية فيها، على الرغم من مجاورتها مصر، ووقوف المملكة ودول الخليج مع السودان في الأزمات، وحتى في السلم.. لكن حين يكون هاجس النظام بقاءه في السلطة، والانفراد بها مهما يكن الثمن، حتى وإن كان على حساب استقرار السودان وشعبه، تكون النتائج مثل ما شهده السودان وشعبه الطيب الصابر.
إن هذه التظاهرات المتتالية على مدى أشهر مضت، وهذا الضغط الشعبي الذي كسر حلقة هذا النظام، وصبر هذا الشعب وكفاحه طوال هذه العقود، لدلائل على إرادة الحياة والتقدم والإسهام الوطني لدى السودانيين. ولعلها فاتحة عهد جديد، ينسف من خلاله السودان سنوات اليباب وراء ظهره، ويشرع في البناء والإنتاج؛ ليكون بحق سلة خبز للعرب بعد أن أُزيح الرئيس البشير عن كرسي الرئاسة. والله يرعاكم.