سام الغُباري
استعاد اليمنيون صوتهم بعد أربع سنين من الكتمان القسري، وحشدت «سيئون» نواب الشعب في تظاهرة لا تخلو من الفخر باستعادة أهم مؤسسة سيادية في البلد، وخسر الانقلابيون الذين حاولوا ترميم صورتهم البشعة بإعادة جزء من البرلمان لخدمة مشروعهم الإيراني الخبيث، في صرخة «وثنية» صدحت من أرجاء بيت اليمن الرئاسي معلنة اعتقال مؤسسات البلد ورموزه وإلغاء جمهورية اليمنيين ومصادرة صوت الناس واستبداله بوحي «الحق الإلهي» المزعوم.
حدث ذلك في 6 فبراير 2015م، حين أعلن صحافي مغمور إسقاط الجمهورية اليمنية وحلّ مؤسسات الرئاسة والبرلمان والحكومة والشورى في خطاب بثته القناة الرسمية، وشكّل ذلك الإعلان صدمة واسعة لكل اليمنيين الذين «أحسنوا» الظن في مشروع الحوثيين الانتهازي، وفي أعقاب غارة الحوثيين على الرئيس هادي بقصر معاشيق بالعاصمة المؤقتة عدن وملاحقته حتى أقاصي محافظة المهرة، صدحت تكبيرة الحق لتطهير البيت اليمني من أصنام الوثنية التي قال عنها «زعيمهم» إنها تقربهم إلى طهران زُلفى، فحلّقت نسور الجو العربي تدك أصنام المُرتدين وعتادهم، حتى اضطرتهم قدرات النصر الأبي إلى التراجع عن إعلانهم المغرور واستجداء الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح للتحالف معهم وإعادة البرلمان والشورى ومناصفة الحكومة وتشكيل «مجلس رئاسي»، كانت اليد الممدوة من الحوثيين إلى «صالح» تُخفي وراء ظهرها يدًا أخرى تحمل خنجر الغدر، ولم يكد يمر عام على حلفهم الهش حتى قُتِل الرئيس واختفى جثمانه في مكان مجهول لا يعلمه أحد.
ظن الحوثيون بذبحهم «صالح» أنهم ابتلعوا برلمان اليمن ذا الأكثرية الموالية لحزب الرئيس المغدور، لكن صوت الناس لا يغيب، ففي سيئون الحضرمية حيث مضارب التاريخ وحضارة الأسلاف الأمجاد، تلتئم حبال الصوت لتنشد من جديد ترنيمة أمل في واقع حوّله نظام الفصل العنصري في صنعاء إلى معركة «وجودية»، وعلى قدر ما حاول العنصريون إبداء عدم اكتراثهم لالتئام سيئون التاريخي، إلا أن فيض غيظهم فاق احتمالهم، فهجموا على بيوت نواب الشعب في العاصمة المحتلة، وصادروا محتوياتها، مؤكدين أنهم لن يتأخروا عن نفي أي يمني يعارض مشروعهم العِرقي المنحسر بإذن الله.
استعادة صوت الناس يعني دورة حياة جديدة في معركة استعادة الدولة اليمنية من أيدي الانقلابيين الذين لن يبقى لهم سوى أطلال ما تمنوا، وحسرات ما فعلوا، وفي عواجل الأيام القادمة ما يسر بعد عُسر السنين الماضية والتباس الرؤى وتضارب المصالح، وقد اتفق كل يمني مع نفسه في يقين تام أن العدو يكمن في صنعاء مُحتلًا ومختالًا بمدافعه ودعم خبرائه الإيرانيين الذين تقذفهم سواحل التهريب لتُمكِّنهم من قتل اليمنيين واجتياح حقوقهم وتدمير كرامتهم وانتهاك حرياتهم، وتفجير منازلهم وتشريدهم وتجويعهم مقابل تمكين سُلالة زائفة من فساد الثروة ببذخ يفوق ما تفعله جيوش الغزاة بالشعوب المحتلة.
لقد كان الغزاة من الداخل هذه المرة ككل مرة في تكرار قديم لمعركة بدأت قبل ألف عام مُخضبة بدم يماني، وقد أظهر غزاة الداخل بشاعة تفوق الوصف، ووراء كل دم يرهقونه تضيق بهم جبال صنعاء، وتلفظهم صدور الناس المظلومين وتلعنهم في كل شهيق وزفير. عاد البرلمان إلى صوابه، وخرج الدستور من مخبأه ناصعًا كرسالة بيضاء، وتهادى النصر في موكبه قريبًا، ونُزِعت أكمام الترهيب عن شفاه المؤمنين، ليصدحوا بالنظام ويعززوا سُلطة الدولة ويغرسوا ركنها الثاني في حرم اليمن، وحتمًا سيكبر الصوت، صوت الناس بتكبيرة الإحرام : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. وحدانية الله التي لا شريك لها في الأرض ولا في السماء، يومذاك ستسقط باقي الأصنام ويفر الوثنيون إلى ملاليهم، وتعود لليمن ابتسامته المنتظرة.
وإلى لقاء يتجدد