د.عبد الرحمن الحبيب
في أحدث تصعيد لسلسلة من الضغوطات التي تمارسها الإدارة الأمريكية على النظام الإيراني، أعلن الرئيس الأمريكي إدراج «الحرس الثوري» الإيراني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية الخاصة بوزارة الخارجية الأمريكية. ماذا يعني ذلك، وما هي تأثيراتها، وما الجديد أصلاً بمثل ذلك الإعلان؟
هذه ليس المرة الأولى التي يتم تصنيف «الحرس الثوري» أو أحد فروعه ككيان إرهابي من قبل إحدى المؤسسات الأمريكية؛ ففي عام 2007 صُنِّف «فيلق القدس» إرهابياً من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، وبنفس العام صُنف «الحرس الثوري» إرهابياً من قبل سلطات مكافحة انتشار الأسلحة النووية بوزارة الخزانة الأمريكية، التي كررت تصنيفه مرة أخرى عام 2011 مع «الباسيج»، وآخرها عام 2017 صُنف «الحرس الثوري» من وزارة الخارجية الأمريكية.. فما الذي اختلف بالتصنيف الحالي؟
التصنيف الحالي يأتي ضمن قائمة خاصة لوزارة الخارجية الأمريكية بموجب سلطة أخرى حسب الخبير ماثيو ليفيت (معهد واشنطن) الذي يذكر أنها تشمل «قانون الهجرة والجنسية»، مما يعني مزيداً من القيود كخطوة ستحض الدول والشركات والأفراد على إعادة النظر بفكرة القيام بأعمال تجارية مع إيران، لأن «الحرس الثوري» متجذّر بعمق في الاقتصاد الإيراني.
لكن البعض يرى أنه لا جديد في الأمر، وأنها مجرد خطوة رمزية سياسياً مع قليل من التأثير على أرض الواقع. قد يبدو ذلك منطقياً، إنما لمن يريد تقييم تأثير هذا التصنيف فعليه ألا يأخذه وحده، بل في سياق سلسلة ما أطلق عليه حملة «الضغط الأقصى» بدأت بالمقاطعة ثم العقوبات الاقتصادية وآخرها، قبل أسابيع، التجمع الدولي في مؤتمر وارسو لزيادة الضغط على إيران. الجديد بالإعلان الحالي أنها المرة الأولى التي تطبق فيها واشنطن هذا التصنيف على مؤسسة حكومية رسمية لدولة أخرى؛ وسيكون له عدة تأثيرات منها العام على مستوى النظام الإيراني، ومنها الخاص من داخل النظام بين أجنحته المتنافسة.
على المستوى العام، فإن تغلغل «الحرس الثوري» بطريقة غامضة في الاقتصاد الإيراني عرقل المحاسبة القانونية للمؤسسات المنخرطة معه. والقرار الأمريكي الأخير سيقلل من تلاعب الأدوار التي يقوم بها «الحرس الثوري» في الاقتصاد الإيراني، ويقلل صعوبة إثبات توفير الدعم المادي له. الأهم من ذلك، أن العقوبات لن تنحصر بالمقاطعة الاقتصادية لمن يتعامل مع «الحرس الثوري» بل بالمعاقبة القانونية لتهم جنائية بدعم الإرهاب. وكما ذكر ليفيت: «في حين كان من شأن تداعيات العقوبات على ممارسة الأعمال التجارية مع «الحرس الثوري» الإيراني أن تكون قد بدأت تتكشف مع التصنيفات السابقة، فإن تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية يعرّض رجال الأعمال لتهم جنائية بسبب توفير الدعم المادي إلى الإرهابيين بموجب القانون الأمريكي [الجديد]».
أما من ناحية الصراع الداخلي بين الحرس الثوري والمؤسسات المتضامنة معه من جهة ومؤسسة الرئاسة وعلى وجه الخصوص وزارة الخارجية الإيرانية من جهة أخرى، فإن الجهات الأولى تعارض محاولة الحكومة الانضمام إلى مجموعة العمل المالي الدولية لمكافحة غسيل الأموال، لأنها يرونها استكانة للمجتمع الدولي الذي تقوده أمريكا، بينما تراه الحكومة (روحاني وظريف) ضرورة لدعم قدرة البلاد على إعادة الانضمام إلى الاقتصاد العالمي، وترى أنه تعامل مع المنظمات الدولية وليس تنازلاً لواشنطن، فالعالم لم يعد تحت سيطرة أمريكا.
وقد سبق لجواد ظريف أن صرح قبل أشهر أن إيران تواجه مشكلة غسيل أموال، فهاجمه الحرس الثوري ومعه المتشددون بالبرلمان ووسائل الإعلام المتحالفة، لوقوفه إلى جانب أعداء إيران، بينما صرح ظريف بأن «هاجس» المعسكر المتشدد مع الولايات المتحدة يمكن أن يؤدي إلى الصراع ويؤدي إلى نهاية إيران كدولة واحدة (أليكس فاتانكا، معهد الشرق الأوسط).
هذا الخلاف بين الجهتين جعل الحرس الثوري يؤكد أن تصنيفه كمنظمة إرهابية يثبت فشل طريقة ظريف المستكينة للغرب في رأيهم. ومن ثم سيكون التصنيف الأمريكي الأخير عاملاً مؤججاً لاحتدام الصراع بينهما، مما سينتج على الأغلب توافق المتشددين كما حصل دائماً.
هذا سينقلنا إلى التهديدات التي تطلقها إيران خاصة من «الحرس الثوري» ضد أمريكا؛ وهنا يذكر فاتانكا أن إيران تقوم بالفعل بمراقبة دقيقة للأهداف المحتملة وقد سبق أن خططت لعمليات اغتيال عديدة؛ وسيعمل تصنيف «الحرس الثوري» كمنظمة إرهابية على تعزيز احتمالات قيامه بتنفيذ هجمات إرهابية أو عسكرية.
أما الباحث عومير كرمي (معهد واشنطن) فيذكر أنه «خلال السنوات الأخيرة، هدّد المتشددون والمعتدلون على السواء بطهران بأن تصنيف «الحرس الثوري الإسلامي» كمنظمة إرهابية سيسفر عن ردّ فعل قاسٍ تجاه القوات والمصالح الأمريكية بالمنطقة، وهو تهديد تكرّر بخطابهم هذا الأسبوع. لكن هل ستنفذ إيران حقاً هذه التهديدات وتردّ بعنف على العقوبات الجديدة؟ يجيب كرمي أن تهديداتها عبارة عن «التحدث بقسوة وحمل عصا صغيرة».
في كل الأحوال، من المستبعد أن تتجرأ إيران على مهاجمة أهداف أمريكية بشكل مباشر، فلا قدرة لها على مواجهة واشنطن، إنما قد يحدث ذلك من خلال وكلائها بالمنطقة؛ إذ يمكنها التنصل من المسؤولية.. وحتى هذا الأمر لا يبدو متوقعاً، فإيران تمر بأسوأ أوضاعها ولا تتحمل مزيداً من التصعيد مع واشنطن، الذي هو بالأساس نتيجة لسلوك إيران بالشرق الأوسط.