في ليلة شتوية ممطرة، وأنا أرتدي معطفي الدافئ، تناولت قطعة من الحلوى مع كوب صغير من القهوة, دار بي الزمن إلى أيام مضت, حين كنت أدرس بالمرحلة الابتدائية، تذكرت إحدى معلماتي الحبيبات, لم أنسَ ملامح وجهها المشرق، أو صوتها الذي يشبه الألحان, لم أنسَ دفء قلبها وكأنها تحمل حنان أمي, أحببتُ سمار وجنتيها وتجاعيد يديها، لطالما تعبت من أجلي وصديقاتي. أذكر حين كانت تشتري لي من المقصف المدرسي؛ لأنني كنت لا أستطيع أن أشتري بنفسي نظرًا للازدحام. لم تصرخ في وجهي يومًا، أو تؤنبني وتنعتني بألفاظٍ قاسية. أذكر أيضًا حين سألتني عن إذا ما كنت قد أكملت حل واجبي بالمنزل فأجبتها بنعم، وعندما بحثت عن كتابي لم أجده، يا الله! لقد نسيته في المنزل على الرغم من اهتمامي. استطاعت معلمتي الحبيبة تدارك الموقف، وقالت: لا مشكلة أحضريه غدًا، ولكن لا تكرري فعل ذلك فأنت متفوقة. ألهمتني شعور الثقة، وتدفق الأمان لقلبي الذي شعر برعشة خوف.. ما أعظمك.
ليت الزمن يعود بي إلى الوراء لأقبّل يديك، فأنا لا أنسى من أحبهم قلبي في صغري، في حين أنني كنت لا أملك القوة لأدافع عن نفسي، لكنها غمرتني بالثقة والأمان الذي لا يضاهيه شعور..
ما أعظم المعلم حين يضحي بوقته, ويبذل قصارى جهده لأجل الأجيال, حين يعمل بجد ليخرج جيلاً واعيًا متبصرًا، ينصح بذمه ليربي، ويعزز ويعاقب بحنان الوالدين, ويعمل بأمانة, ويخلص في أدائه.
فلا يسعني الآن سوى أن أدعو لها في كل ليلة..
أيها المعلمون..
أيتها المعلمات..
لا تنسوا أنكم مربون، وأن لكم ذكرى خالدة في أذهان مَن هم تحت أياديكم؛ فالمدرسة تربي مثلما المنزل.
كونوا رفقاء بهم. روت أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا يُنزع من شيءٍ إلا شانه»، أخرجه مسلم. قد تصادف يتيمًا فكن له الأب والأم، وقد تصادفين طالبة فاقدة حنان الأم لأسباب, أعطيها الحنان والأمان؛ فهي ابنتك إلى أن تغادر بيتها الثاني.. فما أعظم هذه النعمة أن تكون مربيًا وناصحًا.. وما أعظمها من مسؤولية.. ستُسألون عنها يوم الحساب, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...» صحيح البخاري ومسلم.