خالد بن حمد المالك
تشهد الشقيقتان الجزائر والسودان، حركة احتجاجات شعبية عارمة ضد رموز النظام في البلدين في توقيت متقارب، وسيناريو متطابق، ومطالب لا يوجد أي تباين بينها فيما يحدث في كل من الدولتين، سواء من المحتجين، أو من ردود الفعل من الحكومتين، وامتدادًا إلى التعاطي والتفاعل خارجيًا مع هذه الأحداث.
* *
الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة حكم البلاد ثلاثة عقود، والرئيس السوداني عمر البشير حكم بلاده هو الآخر ثلاثين عامًا، وكل منهما ظل متمسكًا بكرسي الرئاسة، ولم يسمح بالنزول إلى إرادة الشعب، سواء بالاستقالة، أو عدم التجديد في انتخابات يشوبها الشك، و تتهم غالبًا بالتزوير.
* *
لكن مع توسع الاحتجاجات في الجزائر، ونزول المواطنين إلى الشارع بأعداد هائلة، وفشل قوات الأمن في تفريقهم، اضطر الرئيس (المريض) إلى الاستقالة، وعدم ترشيح نفسه لولاية خامسة، وفتح المجال للانتخابات دون مشاركته؛ تلبية لمطالب الشعب، ثم سلّم السلطة في مرحلة انتقالية إلى أحد رموز نظامه رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، مع بقاء الجيش حارسًا أمينًا على إنفاذ ما ينص عليه الدستور.
* *
في الحالة السودانية، تم ما يشبه الانقلاب العسكري على الرئيس السوداني عمر البشير، وتولى الجيش بقيادة وزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف زمام الأمور، ووعد بانتخابات تتم بعد عامين من عزل الرئيس الذي تم التحفظ عليه، ووضعه في مكان آمن، وسط مطالبات دولية بتسليمه لمحكمة الجنايات الدولية، بتهمة ارتكابه جرائم خلال فترة حكمه، وأنه لا خيار آخر عن هذا الطلب، رغم أن الحكم المؤقت أعلن رفضه لهذا الخيار، على الأقل في الوقت الحاضر.
* *
المواطنون في كل من الدولتين، لم ينزع غضبهم، أو يوقف احتجاجاتهم هذه التحولات الدراماتيكية، إِذ إنهم رأوا أن خروج الرئيس بوتفليقة والرئيس البشير من السلطة غير كافٍ لتلبية طلبات المحتجين، خاصة أن من تولى القيادة -ولو بشكل مؤقت- هم من رموز النظامين السابقين، وكأن ما تم -بحسب تقديراتهم- هو توليد نظامين جديدين يحملان نفس المواصفات والأخطاء، ما يعني أن ما جرى لا يعالج المشكلة التي عانت منها الجزائر والسودان على مدى ثلاثة عقود.
* *
المفاجأة ما جرى في السودان، فخلال 24 ساعة أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي تنحيه وعزل نائبه عن منصبه تحت ضغط الشعب، وسلّم الرئاسة للفريق أول عبدالفتاح برهان، دون أن يبدد ذلك مخاوف المواطنين، أو يهدئ من حراك الشارع، ولا نعرف ما الذي ينتظر السودان في الأيام القليلة المقبلة. أما قيادة عبدالقادر بن صالح لجزائر ما بعد عبدالعزيز بوتفليقة فما زال الغليان في الشارع سيد الموقف رفضًا لهذا القرار.
* *
وفي ظل هذه التطورات يمكن القول إن إصرار الأنظمة الجمهورية على تخليد الرئيس حتى وفاته رئيسًا للبلاد محميًا من الجيش وأجهزة الأمن الأخرى، وعدم الإصغاء لمطالب الشعب، وظهور الفساد، وتفشي استغلال النفوذ والمحسوبية، والتعامل مع مطالب المواطنين برفضها، واستخدام القوة عند الضرورة، هو الذي يقوِّض الأنظمة على شكل ما تم في السودان والجزائر، وجمهوريات أخرى نالها نصيبها من قبل.
* *
السؤال: ألم يكن من الحكمة لو أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة اكتفى بولايتين، دون البحث عن ولاية خامسة، فلم يرشح نفسه لها، وساعد على إجراء انتخابات نزيهة لاختيار خلفه، ألم يكن هذا أفضل له وللجزائر، من هذه النهاية التي اضطر فيها -تحت غضبة المواطنين- إلى تقديم استقالته، وعدم الترشح للولاية الخامسة، وبالمثل ألم يكن للرئيس البشير مصلحة في الاكتفاء بثلاثين عامًا على رأس الحكم في البلاد، خاصة أن هذه الاحتجاجات لم تكن الأولى أو الوحيدة، وإنما هي امتداد لاحتجاجات جماهيرية غاضبة ومتكررة لوحت إلى عدم رضاها عن حكمه، لكنه لم يسمع لها صوتًا، وتعامل معها بالقوة؟.
* *
موقفان لرئيسين، أرادا عند تنحيهما أن يفصّلا مستقبل الجزائر والسودان بحسب ما كانت عليه الدولتان إبان حكمهما، لكن الشعبين الشقيقين كان لهما رأي آخر، إقصاء الرئيسين، وعدم القبول بأن تنقل السلطات إلى رموز النظامين، بعد كل هذه التضحيات، لكن لننتظر إلى النهايات، أي إلى ما بعد غياب الرئيسين بعد ثلاثين عامًا من الانتظار.