يوسف المحيميد
أثناء زيارتي إلى تونس للمشاركة في معرض الكتاب كنت محظوظًا بأن زرتُ مدينة الثقافة، وهي مشروع لم يكمل عشرة أشهر بعد منذ انطلاقه، وهو الذي طال انتظاره نحو عشرين عامًا، لكنه بالفعل كان يستحق هذا الانتظار. ولفت انتباهي أنه ليس ضخمًا وفاحشًا في البناء، إلا أنه يشتمل على مجالات الثقافة، من مسرح وسينما وفنون تشكيلية، وفيه أيضًا بيت الرواية الذي يضم مكتبة باسم القاص التونسي الراحل البشير خريف، وهي مكتبة ذكية، وموزعة بطريقة مميزة بأقسام أمهات الرواية، أو أعظم الروايات في التاريخ، مثل دون كيخوته، والديكاميرون، وأوليسيس، وغيرها. وقسم للرواية التونسية المكتوبة بالعربية والفرنسية، وقسم للرواية العربية، وهكذا.. فضلاً عن مكان أنيق محدد لحديث ضيف أمام قلة لا يتجاوزون عشرة أشخاص، وهكذا.
ولعل اللافت هو هذا الوفاء في تقدير الأشخاص المبدعين، أو الحركات الثقافية في التاريخ التونسي، مثل جماعة تحت السور التي انطلقت في ثلاثينيات القرن الماضي، وهي حركة ثقافية شاملة، تضم الأدب والفنون والموسيقى، حركة غاضبة ضد المجتمع التقليدي، وهي تشبه حركة جيل «البيت» الأمريكية، وإن كانت سابقة لها. وكم كان جميلاً أن تتم تسمية قاعة المحاضرات والندوات الصغيرة باسم «تحت السور» تخليدًا لهذه الجماعة المدهشة بحراكها ومواقفها في زمن مبكّر جدًّا.
يقود هذا البيت الروائي التونسي كمال الرياحي، ويعمل على تقديمه بشكل مميز على المستوى المحلي والعربي. والأجمل هو الشغف والحماس الذي يُدار به بيت الرواية، والأفكار الخلاقة المبدعة، مثل اختيار شخصية روائية عالمية، وجعلها شخصية العام؛ فتقوم كل الجهات الثقافية والترفيهية والاجتماعية بالاحتفاء بها.. فقد كان العام الماضي تحت عنون «دون كيشوت في المدينة» برسم تعبيري جميل له فوق حصانه. وبعد أسابيع ستطلق الشخصية الروائية الثانية، وهكذا.
أعتقد أن الثقافة تسير وتتحرك بالأفكار الجديدة، وبالرغبة والحماس لتنفيذ هذه الأفكار، حتى تصبح واقعًا لافتًا ومميزًا.