د. محمد عبدالله الخازم
الفقر ظاهرة اجتماعية في كل المجتمعات، وقياسه يختلف من مجتمع لآخر، وتقليديًّا وفق أرقام تُطرح؛ لتحدد مستوى الفقر.. لكن التعريفات الحديثة ضمن مفاهيم العدالة الاجتماعية تصنفه كالآتي: «أنت فقير إذا كنت أقل ثراء من الآخرين في مجتمعك، بغض النظر عن مستوى المعيشة الفعلي، وأي معيار عالمي خارج بيئتك». لا أعلم معاييرنا المحلية، ولكن أتوقع أن برامج الضمان والدعم الاجتماعية تُبنى وفق أسس تراعي تلك الأمور.
للفقر أسبابه.. ووفق دراسة (مركز فريزر)، هناك فئتان عريضتان من «الأسباب الأولية» للفقر: الحظ السيئ، والخيارات السيئة. الحظ يعني أنه ليس لدينا القدرة على تجنب الفقر، أو أنه لا مفر لدينا من أن نجد أنفسنا فيه. على سبيل المثال: العيش في منطقة الحروب ليس خيارًا فرديًّا، وقد يوجد أناس كثير لا ذنب أو لا خيار لهم فيه مهما فعلوا. ومثلهم الذين يعيشون في وسط أحداث مناخية وكوارث طبيعية قاسية، كالفيضانات والزلازل وغيرها. وطبعا من يعيشون تحت وطأة حكومات مستبدة، تُفقر شعوبها، ولا تحرص على مصالح مواطنيها. ونرى مثل ذلك في دول يعاني أبناؤها دون أن يكون لهم خيارات في سبل العمل والعيش المقبول، ودون أن يكون لديها برامج اجتماعية وتنموية مساعدة للناس. كل تلك عوامل تجعل اختيارات الناس محدودة، وسوء حظهم يقود لفقرهم.
في الدول المتقدمة، ومنها بلادنا، يمكن القول إن الحظ ليس العامل الأول في الفقر. مع تقديري لكل من يتذمر من الحظ، فإن الاختيارات أو نوعية خيارات الناس تشكل عاملاً أكبر في وقوعهم في الفقر.
عندما نتحدث عن الاختيارات نشير إلى أن لا أحد يحدد بالضبط أين ينتهي به المطاف في حياته ومعاشه. والناس تتخذ آلاف القرارات في حياتها، لا تدري بالتحديد إلى أين ستقودها، أو لا تملك المعلومات الدقيقة حولها وحول نتائجها، أو القيود التي ستنشأ في آلية تنفيذها.. لكن يبقى القول إن هناك خيارات تقود إلى تجنُّب الفقر، وتقود إلى المعيشة المريحة، مثل: خيارات الدراسة والتدريب، خيارات الوظيفة والاستثمار، خيارات الوعي الاقتصادي والاجتماعي... إلخ.
مثلاً: لا نتوقع في هذا الزمن أن يتساوى دخل غير المتعلم مع دخل المتعلم، ولا نتوقع أن تتساوى فرص من يعيش في القرية مع من يعيش في المدينة. وهكذا قراراتنا في مرحلة الصغر والبلوغ قد تكون مفتاحًا لفقرنا أو غنانا في الكِبَر، وخصوصًا عندما تساعد الحكومات في خلق الفرص المعيشية الجيدة لأصحاب الخيارات المعقولة.
ربما هناك منطقة وسطية في تصنيف أسباب الفقر، كتلك المتعلقة بظروف تولد مع الفرد، أو تصيبه في مرحلة ما، مثل الإعاقة؛ فقد يرى البعض أنها حظوظ تقود للفقر حتمًا، ويرى الآخر أنه يمكن التغلب عليها بقرارات جيدة من قِبل الفرد والدولة المعنية بدعم تلك الفئات، وتهيئة ظروف مناسبة لها.
مهمتنا المساعدة في التغلب على الظروف القسرية التي تجعل من الناس فقراء، ودعم وتوفير السبل نحو خيارات أفضل، يتبناها الناس في حياتهم، تجنهم فقر المستقبل، أو تساعدهم في الانتقال من خطوط فقر دنيا إلى مستويات معيشة أفضل.