د.ثريا العريض
خبر محلي هام مر بنا مؤخرا لم ينل ما يستحقه من ابتهاج المجتمع باعتباره إعلان خطوة مفصلية وقفزة في الصناعة المحلية كان خبر تحليق أول طائرة «هوك» تم تجميعها محليا. ربما السبب هو ما سبقه من أخبار مضخمة التفاصيل عن تصنيع سيارة «غزال» ثم انكشفت التفاصيل عن دور محلي اعتبر هامشيا لأنه اختزل في عملية «تجميع» لأجزاء صنعت في الخارج. لا ألوم الذين احتقروا التجميع فهم لم يدركوا أهميته كخطوة ابتدائية مهمة تقود لاحقا إلى مستوى أعلى في التصنيع المحلي وربما الانطلاق للتسويق العالمي. وهناك نتائج على المدى الزمني الأقرب؛ التصنيع من شركات كبرى عالمية إذا ارتبط باشتراط تدريب المواطنين هو بدء إيجابي يحل مشاكل العطالة بتوفير فرص عمل للمواطن المهتم بإنهاء بطالته. والنهاية في أيدينا نحن: ألم يتعلم اليابانيون تقنية الغرب في صناعة المحرك ويتفوقوا فيها على الجميع؟ فهل سنجد الشباب مبادرين بتعلم أسرار الصناعة؟
لنتوقف عند نقطة إحصائية بسيطة ومهمة: قرابة 70 % من المواطنين هم في سن الصبا والشباب وأغلبهم ما زالوا على مقاعد الدراسة. وأكثر من 30 % من السكان اليوم هم مستقدمون للعمل في كل المستويات من المهارة والتخصص. واضح أننا نحتاج إلى كل سعودي وسعودية مؤهلين في كل فروع العلوم والتقنية والمهارات ليحلوا محل بعض المستقدمين. فالتنمية التي تعتمد على استيراد كل ما نحتاج من الأجهزة المتقدمة ومن يشغلها ويصونها هي تنمية شكلية هشة ومؤقتة لاتحتاج لتتساقط لأكثر من انسحاب اليد العاملة الأجنبية لأي سبب من الأسباب.
لنتأمل ممارساتنا الفعلية بصدق وسنرى أنه لا بد من تحول عميق في قيمنا المجتمعية المتعلقة بالعمل وتفضيلاتنا وميولنا وما ننصرف إليه لأن سائد المجتمع يمنحه احتراما أكبر. لا يمكن أن نظل رهائن لأعراف وقيم مرحلة الطفرة واستسهال الاستقدام والإصرار على وظائف تضمن أكبر قدر من الراحة وأقل قدر من الجهد!
كخبيرة في التنمية على المدى الأبعد, نصحت بضرورة التوطين منذ الثمانينات في عز تصاعد أعراف الطفرة والاستسلام للراحة لسهولة اجتذاب العمالة من الخارج والاستقدام بتكلفة أقل من توظيف المواطنين. وأكدت وقتها أن مجالات الأعمال والخدمات المساندة التي تتطلب المهارات يمكن شغلها بالمواطنين بعد التدريب المطلوب. وأن الجامعات يجب أن توفر تخصصات للخدمات التقنية والطبية المساندة. وأن الحاجة مستقبلا هي للمعاهد التقنية التي تخرج مؤهلين بالمهارات للتشغيل والصيانة والإدارة والعمل الميداني. وإن الاستمرار في تخريج حاملي وحاملات شهادات في تخصصات نظرية ستكون له نتائج غير مستحبة.. بل وكارثية. لأن الاستمرار في الاعتماد على استقدام غير المواطنين يعني تسرب المال من دورة الاقتصاد المحلي. والتوطين لايتم ببساطة استبدال أجساد وعقول وسواعد لا تملك المهارات المطلوبة للمجالات التي يشغلها ويقدم خدماتها الوافدون
وتضيف لتفاقم الأوضاع انحرافات التستر وتشغيل عمالة غير نظامية.
وسأعود لاستكمال الموضوع في حوارنا القادم.