فهد بن جليد
يُقال «الطيبة ليست من الصفات الضرورية لصُنَّاع التاريخ»، وأقول إنَّها من الصفات التي يستطيع أصحابها سحر قلوب الجميع وكسبها لصُنع تاريخهم الخاص -أمس الأول- لم يكن خبر رحيل النظام السوداني هو الوحيد الذي يتداوله السودانيون في الرياض، ويتناقله كثير من مشاهير التواصل الاجتماعي، بل كان هناك خبر آخر رغم بساطته إلاَّ أنّ له دلالة عن رحيل مُفاجئ لرجل بسيط في سُلم وعُرف حياتنا، عظيم في عين أسرته وأهله وأصدقائه وكل من عرفه، توفي في الرياض وهو في الطريق لأداء العمرة -خاتمة حسَنَة ورب غفور-.
العم (جعفر) ذاك السوداني ذو الجسم النحيل، كان (أيقونة) في الطيبة والسماحة والهدوء والصدق والنخوة، عرفته مُحبًا للسعودية وأهلها كأي سوداني صادق عاشق لأرض المملكة، كسب بطيبته قلوب كل من عرفه أو عمل معه على مدى (ثلاثة عقود) في السعودية كان في أغلبها صانع القهوة الشهير في مكاتب MBC بالرياض لسنوات طويلة قبل أن ينتقل لقناة الإخبارية، الرجل الذي يُقابلك بابتسامته المعهودة في كل وقت، فلا تكاد تمرُّ من أمام بوفيه (العم جعفر) -رحمه الله- إلا ويطلب منك أخذ فنجالك، بل إنَّه يفاجئ الساهرين والغارقين في مكاتبهم والمنهكين في أعمالهم بفنجان قهوة أو كوب شاي يحضره إليهم في الوقت المناسب، حتى لو لم يكونوا في نطاق المساحة التي يكلف بخدمتها، ولكنَّه يشعر بالجميع ويهتم بهم ويسعد بخدمتهم بطيب خاطر وحسن سريرة، لم تكن تعنيه شهرة من يتعامل معهم فهو هكذا يتعامل مع الجميع (ضيوفًا، موظفين، نجومًا)، الكل عند (العم جعفر) له أهمية ومكانة، فلا يكِلُّ ولا يمِلُّ ولم أره مُتذمرًا أو مُتضايقًا طوال الـ 12 عامًا التي زاملته فيها وتعلمت من طيبته وبساطته وصمته الكثير رغم نكد الدنيا وصعوباتها ومناكفاتها وهي التي سرقت ابنه رحمه الله قبل عام، وأبعدته عن أهله، ليعيش الغربة سنين طويلة.
جعفر -رحمه الله- لم يكن نجمًا شهيرًا يعرفه الناس عبر الشاشة، ولكنَّه ظل نجمًا في قلوب مشاهير الشاشة الذين تسابقوا لتوديعه، وحضر من في الرياض منهم للصلاة عليه يوم أمس الجمعة وامتلأت حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بتعداد مناقب وعلامات الرجل وأهمها (الطيبة) التي منحته هذه المكانة في قلوب محبيه ليلهث من عرفه ولم يعرفه بالدعاء والترحم عليه، وكأنَّه يعطينا درسًا أخيرًا بأنَّ أسعد الناس وأوفرهم حظًا من صنع التاريخ بطيبته، اللهم أغفر لعبدك محمد أحمد جعفر، وتجاوز عنه، واجعل محبة الناس خير شاهد له عندك يا كريم، وعوضه عن هذه الدنيا الفانية بجناتك جنات النعيم.
وعلى دروب الخير نلتقي.