سيدتي
قررت الرحيل.....
أبحرت عنك.... عن شاطئ هادئ أنتِ فيه
أبحرت بضجيج الحزن والكآبة التي تملأ ُ نفسي
أبحرت أحمل في مركبي قلبي النازف وعقلي المفجوع
أبحرت في مركبي... مركب نقل الأموات ومعي
جثث أحلامي وأشلاء أمنياتي....!!!
سيدتي
أبحرتُ عنكِ وقوارير الجفون تنسكب داخلي لتملأ حنجرتي وجوفي حتى أسكرني الظمأ والألم...!!!
وهربت خوفاً أن تَفِرَّ دمعة حزينة على وجهي الشاحب أمام عينيك الجميلة ونظراتك الباسمة فينطفئُ بريق عينيكِ ووميض مبْسَمكِ وشمس قلبك...!!!
سيدتي
أبحرت عنْكِ... عن شاطئ ٍ أنتِ فيه
هو ميناء وصولك... وميناء رحيلي.... للمكان الواحد أكثر من عنوان في بوصلة الأيام
حملت معي كل شيء... ورداً ذابلاً زرعت... قوارير عطر فارغة تفيض منها ذكرياتنا... وحملت معي بطاقات المعايدة والإهداء...
وأخذت معي أوراق كتبتها حين حلمتُ وأملتُ ويئستُ وبكيتُ...!!!
حملت معي كل شيءِ بصمتٍ
وأبقيت (ذاكرتي)... قريبة بعيدة منْكِ
أخفيتها بين صخور شاطئ أنتِ فيه
ذاكرتي بجوارك حمامة بيضاء بين الصخور ستقتاتُ من حبات فستق ترمينها عبر نافذة غرفتك في ليل السمر
وستطمئن وتأنس لسماع صوتك متحدثة وضاحكة...!!!
أودعت ذاكرتي في العراء وحيدة على الشاطئ لأني لا أريد أن ترافقني في رحلة شاقة وأنت تسكنين نسيج خلايا وتفاصيل هذه الذاكرة
لا أريدُ حين يصفع الموج وجهي أن يصفع وجهك أنتِ...!!!
سيدتي
أبحرت عنكِ... لأني أريدُ أن أكون في عرض البحر شاعراً... وأريد أن أكون قاصاً... وأريد أن أكون مغنياً
في عرض البحر أقول في كل بحور الشعر فيك ولن يكسر الموج لي بيت شعر واحداً...!!!
في وسط البحر... بعيداً عن كل الشواطئ... أروي حكايات عني وعنك... كل أقصوصة سوف أحولها إلى رواية وحبري مياه البحر.... وأوراقي مجداف وشراع ومركب!!!
في وسط البحر... أتوسد ساعدي الأيمن وأموّل «يا دانه دان...» وأغني كل المقاطع التي كنا نرددها «لنجاتي « «وفيروزك»
وبيدي اليمنى أحرك المجداف فيعزف على أوتار الغرق لحناً تتراقص معه أنفاس ذكرياتي حيّة عشتها معك!!
سيدتي...!!!
لقد رحلتُ عنْكِ... وربما رحلتُ عن رحيلك عن شاطئ أنت فيه... أخاف أن أفقد بقايا ذاتي وأصبح بعد كل شيء معكِ لا شيء...!!
سيدتي....
الأيام معَكِ وبعدكِ علمتني الكثير
لم أختر لقلبي هذا التخصص وهذه المعرفة
علمتني الأيام أن أكونَ...
(أمياً) لا أقرأ ولا أكتب فلا بوح مني ولا لدي!!!
(أبكم) علمتني ثرثرة الصمت أن لا أشتكي لك ولا أتغزل فيك
(فيلسوفاً) تعلم خاطري فلسفة الرحيل بصمت فتسللت كأمهر اللصوص وقد حمل كل (لا شيء) معه حتى لا يوقظك صوت حبو المركب... وصوت خطوات المجداف أو يوقظ حمامة ذاكرة خبأها فيطير بك من بين صخورها وسريركِ الوثير لتتوسدي كتف بحّار فر بكلِّ ألمه بسببك بعيداً عنك...!!!
سيدتي
آه... كم أخاف من أجلك منك...!!!
حين أترافع في محكمة البحر... أمام قاضي بحر الأيام الذي تأنق بعباءة سوداء تلونت من أعماق البحر ونُسِجتْ بخيوط هام الموج وأنا أخطب ببياض الحروف والكلمات كي أدافع عنك...!!!
أقف أمام القاضي... وأقول له
سيدي القاضي...
حبيبتي كانت أوفى الأوفياء معي
وإنني أسعد الناس في دنياي معها
وإن نعيم حنانٍ منها علي يُكفِّرُ سعير حنيني إليها وإن اكتويت.. وإن استمررت أكتوي...بقية أيام العمر!!!
أخاف يا حبيبتي أن تشهدي ضدي وتقولي أني قد كذبت وأني قد زورتُ شهادة ميلاد السعادة لقلبي
وأني قد بدلت عمداً النزيف بالعزف بكل قصائدي وخواطري.. أخاف أن تقسمي أني من أجلك قد ضحيت!!!
سيدتي
أبحرت عنكِ بعيداً...!!!
وفي لحظة كان (آخر الليل أوله) وقد دَثَّر ليل البحر الموحش مركبي... وجدتك طيفاً وشمعة بين أصابع يدي.
وبعد صمت وصمت وصوت
تجلسين بجوار حبيبك المتعب وتهمسين له «يا قرة عيني»
هديل حمامة ذاكرتك المخبأة بين الصخور تسلل كالرعد القاصف إلى غرفة نومي المعطرة.. وسريري الحريري ووسائدي القطنية فبَدَّل صوتها بعيني كل تضاريس غرفتي
وأسمعتني الريح العاصفة صرخة سرِ هروبك مني ومن ذاتك...!!!
سيدي
ما حيلتي... قدرنا... أن تكون أنت في حياتي (سيد قلبي) أما (عقلي) فلا
لهذا خبأتني الحمامة تحت جناحها... وحملتني إليك إلى وسط الغابة المبللة... إلى عتمتها... إلى وحشتها.. لأقف أمام القاضي وأصرخ بصوت يعلو صوت زئير الموج لأقول له
سيدي القاضي... هذا البحار العاشق يكذبُ عليك أنا لست بريئة.. حين رضيت أن أفارقه إن الألم الذي فيه هو مني أنا...!!!
أصدر أقسى عقوبة عليّ
انفني من منتجعي المترف على شاطئ الوصول إلى قسوة مركب ضياع وتشرد إنسان أحببت.... لأقول (قسماً بربي إني باقية معه وإن زنزانة البحر لي وله...!!!).
** **
عبدالعزيز الجطيلي - عنيزة
e-mail: ayamcan@hotmail.com
twitter: @aljetaily