محمد عبد الرزاق القشعمي
عند وداعي للأستاذ عزيز ضياء مساء بمنزله بجدة بتاريخ 24-11-1416هـ بعد أن سجلت معه ذكرياته ضمن برنامج (التاريخ الشفوي للمملكة) وعلى مدى يومين، سألني إلى أين أنت ذاهب غداً؟ فأجبته إلى الأستاذ عابد خزندار، فقال: هناك من هو أهم منه!! فقلت: من هو؟ فقال: والده، وكنت أعتقد أنه قد توفي، فشكرته.
وفي اليوم التالي وقبيل التسجيل مع عابد، سألته عن والده، ومدى إمكانية التسجيل معه، فرحب بذلك، وعرفت أنه يسكن في الطابق الأرضي من المنزل، وكان التسجيل مع والده في اليوم التالي 26-11-1416هـ، وقد عرفت منه أشياء لم أكن أعرفها، خصوصاً بدايات التنظيم الإداري والمالي عند تأسيس المملكة بصفته السكرتير ومدير مكتب الوزير الأول لوزارة المالية عبدالله السليمان الحمدان، وعلاقته الوثيقة بالملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -رحمهم الله-.. ولنترك الضيف يتحدث على سجيته.
قائلاً: إن اسمه: (محمد علي بن محمد بن عبدالرحمن خزندار).. ومحمد علي اسم مركب كما جرت العادة في الحجاز ومصر وغيرها، إذ يضاف اسم محمد للاسم الأول تبركاً باسم الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مواليد مكة المكرمة عام 1331هـ.
وقال إنه من عائلة كان لها ماض تمثل في أن مؤسسها الأول في الحجاز قدم من مصر بمعية الشريف محمد بن عبدالمعين بن عون أول شريف تولى إمارة مكة المكرمة من الأشراف العبادلة (ذوي عون) في عام 1243هـ، وقال أن جده أثيراً لدى الشريف ويثق به، وقد خصه بالرعاية، وكان يؤدي عمل (خازن دار) أو وكيل مصالح، أو مسؤول المالية، ولهذا بقينا نحمل هذه الصفة التي أصبحت اسماً للعائلة.
وقد ترك مؤسس العائلة أملاكاً وأوقافاً بمكة المكرمة بمحلة القشاشية بالقرب من الحرم الشريف ثم نزع ملكيتها أخيراً لصالح الحرم الشريف، وعوضنا عنها عوضاً جزيلاً ولله الحمد.
وقال إن ولادته بمكة المكرمة عام 1331هـ في الوقت الذي كان الحجاز محكوماً من الدولة العثمانية، وقد أدخله والده في إحدى الكتاتيب التي كانت منتشرة في مكة المكرمة، وكان يدير الكتاب إحدى السيدات وكانوا يدعونها بالفقيه. انتقل بعدها إلى مدرسة المسعى الخيرية التي كانت تدعى بهذا الاسم أو باسم مدرسة الخياط نسبة إلى مديرها الأول الشيخ محمد الخياط، وسميت في العهد السعودي باسم المدرسة الرحمانية.
ويذكر من زملائه في المدرسة ملك العراق -فيما بعد- الشريف غازي بن فيصل الأول، وملك الأردن -فيما بعد- الشريف طلال بن عبدالله.
وقال إنه تخرج من هذه المدرسة في نهاية عام 1340هـ والتحق بالمدرسة الراقية في أول عام 1341هـ وكان موقعها بجبل هندي بمكة المعروف قديماً باسم جبل قعيقعان، وهي المدرسة التي عرفت أخيراً في بداية العهد السعودي باسم مدرسة تحضير البعثات.
والمدرسة الراقية نعتبر أيامها نهاية مرحلة الدراسة العالية. مكث بها إلى أوائل عام 1343هـ عندما انتهى عهد حكومة الشريف حسين، ودخلت القوات السعودية إلى مكة، وأقفلت المدرسة قبل أن يكمل سنتها الرابعة النهائية.
انتقل بعد ذلك -منتصف عام 1343هـ- إلى مدرسة الفلاح بمكة المكرمة التي أنشأها الحاج محمد علي زينل في عام 1330هـ وأسس مثلها في بومباي بالهند.
أنهى دراسته بالفلاح في السنة السادسة بنهاية عام 1346هـ من سنواتها التسع، حيث تم تعيينه موظفاً بإدارة عين زبيدة في أول عام 1347هـ، وفي عام 1354هـ تم تعيينه بوزارة المالية، في ديوان المحاسبات العامة، حيث بقي ربع قرن يتقلب في وظائفها. وكان آخرها قائماً بأعمال وكيل وزارة المالية، وأعمال مدير المالية العام، ومن بين هذه الوظائف رئيس مكتب التنقلات لمعالي الوزير الشيخ عبدالله السليمان بمكتبه الخاص، وقال إنه بهذه الوظيفة أصبح قريباً من مصدر القرار الأعلى جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- فقد كنا نتلقى برقيات جلالته بالشفرة صباح مساء في جميع الشئون المالية والعائلية والعامة والسياسية وحتى الأمنية، فقد كان (الوزير) يحظى بثقة متناهية من جلالته واعتماد كبير عليه، وكان يعده مستشاراً خاصاً له.
سافر الخزندار بصفته هذه مع معالي الوزير إلى الهند في عام 1362هـ-1943م عندما سافر إليها مستشفياً وذلك بمعية سمو الأميرين محمد بن عبدالعزيز ومنصور بن عبدالعزيز وزير الدفاع أذاك، وقضوا في الهند نحو أربعة أشهر متنقلين في أرجائها عندما كانت الهند بعمومها تحت الانتداب البريطاني قبل تقسيمها بما في ذلك كشمير التي مكثنا فيها قريباً من شهر.
كما سافر الخزندار مع معاليه بنفس الصفة رئيساً لمكتب تنقلاته إلى مصر ضمن حاشية الملك عبدالعزيز عندما زار مصر في عام 1946م ومنح وساماً من الملك فاروق من الدرجة الأولى. كما عهد إليه مع الأستاذ براهيم السويل -من كبار موظفي السفارة السعودية بمصر- بتقديم هدايا جلالة الملك عبدالعزيز إلى كبار الشخصيات بمصر، وكانت الهدايا من النوع الفاخر -التي تقدم للمسؤولين في منازلهم- فهي تحتوي على سيف مذهب وربما خنجر مذهب لبعضهم بالإضافة إلى سيف مع ساعة ممتازة وعباءة من الوبر الممتاز.