د. صالح بن سعد اللحيدان
يعد (علم النحو) من أصول العلوم العقلية المندرجة تحت (علوم الآله) لأن النحو يحتاج إلى سعة بال وحضور العقل المتين حتى يدرك العالم النحوي وطالب العلم والباحث مدارك هذا العلم وأساسيته على صورة تامة ومنضبطة.
لا ينفع في النحو التعالم مثله مثل اللغة وعلم الحديث خاصة وأصول الفقه والنقد الموهوب، هنا لا بد من الحضور العقلي الجيد وقوة النباهه، ولبيان هذا على شكل مختصر أبين بابًا من أبواب النحو كثُر الكلام حوله من قديم الزمان ذلكم هو (النكرة) وسوف ننظر ذلك كما يلي:
- أصل النكرة أنها كلمة أو مفردة عامة لكنها لا تدل على شيء أو أمر معين (كبيت وكتاب ورجل وبلد وبنت) وقس على هذا.
وتعريف النكرة عند عامة أهل الصناعة اصطلاحًا أن النكرة: (ما تكون قابلة (ال) وتكون مؤثرة فيه ليكون (معرفة) أو يقع في موقع ما يقبل (ال).
هكذا جرى الاصطلاح لكي لا يتم الخلط في أساسيات علم النحو ودلالاته على المراد بيانًا وإعرابًا، ويتضح هذا بمثال أضربه مثل: بيت فيقال البيت فأثرت هنا (ال) فأصبح معرفة لكنه مجرد منها فهذا نكرة.
ومثال ما يقبل (ال) لكنها لا تؤثر فيه تعريفًا: (خالد) (فاطمة) فهذان علمان فقول القائل: الخالد والفاطمة هنا دخلت (ال) إلا أنها لم تؤثر تعريفًا فيهما والعلة حسب مذهب جمهور النحويين في مطولاتهم لأن هذين علمان قبل دخول (ال) عليهما، لكنهما من حيث المعنى الأصلي (نكرتان) فأي خالد وأي فاطمة نقصد؟ وإن كانا علمين في الأصل الوصفي ومثال ما يقع موقع ما يقبل (ال) التعريف نحو (رأيتُ ذا كرم) يراد صاحب كرم وبذل ونلاحظ أن (ذا) نكرة ولا يمكن أن تقبل (ال) بحال إلا أنها وقعت في موقع (صاحب) وهنا فإن (صاحب) يقبل (ال) فيقال الصاحب وهذا يقاس عليه في سياسة السياقات النحوية ولا يحسن هنا في النكرة أن يخلط بين ما هو معلوم عرفًا بالضرورة وبين النكرة تلك التي إلا بدلالة ما سبق.
وذلك مثل: أحد بضم الهمزة وأجياد ونخلة، فهذا كله نكرة لكنه اكتسب التعريف بدلالة الشهرة ودلالة المعنى فأُحد الجبل المعروف بالمدينة، وأجياد هي من أحياء مكة، ونخلة (وادي نخلة) وهكذا مما هو معلوم أصلاً عند من يعلم ذلك ولا يشكل عليه لكن جرى الخلاف على التعريف السابق تعريف النكرة قلت هذا القول فيه وجاهة عند من يتأمل ذلك بحاذق من فهم سديد.
والذين خالفوا قالوا هنا أسماء النكرة وضعت هكذا طُرا وعند التحرير فهي لا تقبل (ال) ولا تقع في موقع ما يقبل (ال) بصورة من الصور وإن كان هذا فهو متعسر وذلك نحو (رأيتُ مُحمدًا قارئًا) وهذا (حال من مُحمدِ) أنه رآه أو رأيته قارئًا، ومثل هذا التمييز مثل (أخذتُ دارًا أو اتخذت دارًا نيرة) أو (بعتُ كيلاً برًا)، قلت وهذا القول وإن كان حسنًا عن تأمله لكنه ضعيف حسب المقتضى وذلك كما ذكر الإمام المعاصر محمد من محيي الدين بن عبدالحميد فقد أشار في شرحه على ألفية بن مالك تهميشًا قال: (إن هذه كلها تقبل (ال) من حيث ذاتها).
قال اللحيدان: هذا يقرب من الصواب لأن (محمد بن محيي الدين بن عبدالحميد) علل، فهو يقول: (لا من حيث كونها حالاً أو تمييزًا أو اسمًا لا) في كلام طويل ص86 - 87 - 88 من (شرح ابن عقيل) الجزء الأول من جمادى الأولى لعام 1384، والحق أن فهم النحو وإدراك مراميه ونظر حالاته من خلال أبوابه المتعددة كل ذلك يعطي المطلع على هذا العلم زيادة فهم وإدراك ووعي جيد متين، لكن ذلك يشترط له التواضع لكبار العلماء وفهم ما أرادوا ونظروا في كتبهم وشروحاتهم قبل التعقيب على ما أرادوه بدعوا بالتجديد مثلاً.
ولذلك سقط أولئك الذين تجاوزوا الحد في مثل هذا لأن بعض المعاصرين قد سلك سبيل الجرأة دون فهم المقصد السيرافي مثلاً أو الفراء أو حماد بن سلمة أو ابن مالك أو ابن معطي أو ابن جني، ولذلك لو قرأوا ما كتبوا بعد عشرين عامًا لقرعوا سن نادم وإلا فهل يعقل أن ابن مالك قد سطا على غيره في ألفيته؟!